Site icon IMLebanon

إيراديان لـ«الجمهورية»: ينبغي الإختيار بين التدابير القاسية أو إنهيار الليرة  

 

رأى كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي (Institute of International Finance IIF)، غربيس ايراديان أن لا مفرّ اليوم من الإصلاحات الهيكلية والإجراءات التقشفية القاسية، التي ستبعث بإشارات إيجابية الى الخارج حول جدّية الحكومة في التعامل مع الأزمة المالية، وستعيد الثقة المفقودة في لبنان والتي أدّت الى انعدام التدفقات المالية لا بل الى خروج الأموال رغم ارتفاع أسعار الفوائد الى مستويات قياسية.

 

إعتبر ايراديان ان تقرير صندوق النقد الدولي الأخير حول لبنان، متشائم زيادة عن اللزوم، مؤكداً في حديث من واشنطن لـ«الجمهورية» انه لا يؤيّد توقعات الصندوق المتعلّقة بنسبة العجز المالي عند 9,75 في المئة.

وبما انه عمل مع صندوق النقد الدولي لمدة عشرين عاماً، يعي ايراديان كيف يُعدّ الخبراء في صندوق النقد الدولي تقاريرهم حول اوضاع البلاد الاقتصادية، وبالتالي يرجّح انه في حال التزمت الحكومة تطبيق كل التدابير التي أقرّتها من اجل رفع ايراداتها المالية، فإنّ العجز في العام 2019 قد يبلغ في أسوأ الحالات، أي من دون اصدار سندات بقيمة 11 الف مليار ليرة بفائدة 1 في المئة، حوالى 8,4 في المئة مقارنة مع 11,5 في المئة في 2018.

 

أين أرقام وزارة المال؟

لكنّه أشار الى ان نسبة العجز المقدّرة يمكن ان تبلغ مستويات أكبر، في حال تبيّن انّ النفقات العامة في العام 2019، جاءت أعلى من التوقعات، ولم يتم الالتزام بالصرف وفقاً للقاعدة الإثني عشرية. وسأل ايراديان في هذا الاطار: لماذا لم تُصدر وزارة المالية لغاية اليوم ارقام الاشهر الاربعة الاولى من العام 2019؟ لقد تجاوزنا النصف الاول من العام الحالي ولم تصدر بعد أرقام الشهر الاول من العام 2019!

تابع: معظم الدول تصدر ملخّصها عن الوضع المالي بتأخير لا يتعدّى الشهرين. نحن اليوم في تموز، ولا نملك أرقام كانون الثاني حتّى!

وفيما ألقى اللوم على الحكومة، لجهة التقاعس عن إصدار الملخّص المالي ربما لأسباب معيّنة، أشار الى ان وكالات التصنيف الدولية تعتبر انّ عدم نشر الارقام دليل على انّ الحكومة أنفقت اكثر من السقف المحدَّد لها.

وفيما حذّر ايراديان من خطر تجاوز النفقات في الأشهر الخمسة الاولى من 2019 الأرقام المحدَّدة في موازنة 2018، رجّح أن تكون بعثة صندوق النقد الدولي قد اكتشفت تجاوزاً في الإنفاق العام لدى زيارتها الاخيرة الى لبنان، واصدرت على اساسه تقريرها المتشائم.

 

ضريبة الوقود والـTVA

في المقابل، أكد ايراديان انه يوافق مع اقتراحات صندوق النقد الدولي لجهة زيادة الإيرادات، والتي تنصّ على رفع الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الوقود التي كانت قائمة في العام 2011 والتي أقدمت الحكومة، في اسوأ خطوة قامت بها، على إلغائها، حيث كانت تدرّ ايرادات بقيمة 400 مليون دولار سنوياً. وأشار الى انّ أسعار الوقود في لبنان حالياً أقل بكثير من أسعارها في الأردن والمغرب

وتركيا.

كما اقترح زيادة معدل الضريبة على القيمة المضافة الى 12 في المئة نظراً إلى أنّ الضريبة على القيمة المضافة هي واحدة من أقل الضرائب تشويهاً، والتي تحظى عموماً بأعلى حصة في إجمالي الإيرادات الضريبية، وبما أنّ حصة الاستهلاك الخاص والواردات في إجمالي الناتج المحلي مرتفعة جداً في لبنان، فإنّ إيرادات تعديل ضريبة القيمة المضافة ستكون هائلة.

وأوضح ايراديان انه في العام 2018، أدّت الزيادة في معدل ضريبة القيمة المضافة من 10 إلى 11 في المئة إلى زيادة بنسبة 10.5 في المئة في عائدات الضرائب من ضريبة القيمة المضافة على الرغم من ضعف النشاط الاقتصادي. لكنّ الزيادة في إيرادات الضريبة على القيمة المضافة قابلها إلى حدّ كبير انخفاضٌ في إيرادات الضرائب العقارية، وانخفاضٌ في إيرادات الاتصالات، وتراجعٌ كبير في إيرادات مرفأ بيروت الذي يتميّز بأعلى نسبة من التهرّب الضريبي.

أضاف: في حين أنّ رفع معدل الضريبة على القيمة المضافة قد يحدّ من الاستهلاك، وبالتالي يؤدي إلى تراجع الإيرادات، إلّا أنه سيُعتبر دليلاً على التزام متضافر من قبل الحكومة بالإصلاح، وبالتالي يمهّد الطريق أمام تدفقاتٍ مالية إضافية. كما أنّ تطبيق هذه الاجراءات قد يؤدّي الى خفض العجز المالي الى اقلّ من 7 في المئة في العام 2020.

تابع: لا مفرّ من التدابير القاسية لإنقاذ الوضع. ولا بدّ من الاختيار بين السيّئ والأسوأ: إما انهيار الليرة، أو ضبطها وتحسين تصنيف لبنان مقابل تراجع الاستهلاك وتراجع النموّ.

وشدّد ايراديان على انه في حال لم يوافق البرلمان على كل التدابير المقترَحة لزيادة الإيرادات، هذا الاسبوع، فإنّ تصنيف لبنان من قبل كل المؤسسات الدولية، سيكون سيئاً جداً، «وبالتالي، لا يملك لبنان مجالاً آخر، ويجب اقرار تلك الموازنة».

 

خطر الانهيار

اما بالنسبة الى خطر الانهيار واحتمال انهيار العملة الوطنية، فأكد ايراديان انّ الليرة مستقرّة، ولا خطر على المدى القريب طالما انّ احتياطي مصرف لبنان، رغم تراجعه، ما زال عند حوالى 35 مليار دولار، وبالتالي يمكن للمركزي أن يستخدم هذا الاحتياطي لتغطية العجز في ميزان المدفوعات ولخدمة الدين العام.

تابع: لكن في المدى المتوسط، أي بعد عام أو عامين، لا يمكن الاستمرار في النهج المتّبع حالياً. وفي حال لم تقَرّ الموازنة وتُنَفّذ التدابير المقترحة للجم العجز ويتم اتّخاذ إصلاحات جذرية كرفع الـTVA وفرض ضريبة على الوقود، فإنّ الخطر كبير على لبنان في العام المقبل.

ورداً على سؤال، قال إن إمكانية إعادة تقييم العملة الوطنية غير واردة على المدى البعيد، لكن يمكن تنفيذُها في العام المقبل في حال لم تطرأ تغييرات إيجابية.

وانتقد ايراديان المسؤولين والسياسيين في لبنان، متسائلاً كيف أنّ موازنة بلاد تستغرق أكثر من 6 أشهر لإقرارها؟ هل ثمن الديمقراطية في لبنان هو إرضاء كافة الأحزاب والأطراف السياسية؟ هل المصالح الشخصية في هذه الأوقات الحرِجة ما زالت تعلو على المصلحة الوطنية؟

 

نسبة النموّ

حول نسبة النمو المتوقعة للعام 2019، قال ايراديان إنّ التقديرات تعتمد على النصف الثاني من العام 2019 والذي يُعَوّل عليه على صعيد الحركة السياحية النشطة، من اجل تحريك النمو. وبالتالي، في حال لم تبلغ نسبة النمو في القطاع السياحي اكثر من 5 الى 6 في المئة، فإنّ نسبة النمو الاقتصادي ستكون صفراً في العام 2019، لأن النصف الاول من العام 2019 شهد انكماشاً اقتصادياً.

وأشار الى أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي تقلص بنسبة 1.2 في المئة في النصف الأول من هذا العام. وفي أعقاب ارتفاع أسعار الفوائد والتأخير المستمر في تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية اللازمة، انخفض الاستهلاك الخاص وتراجعت الاستثمارات، على الرغم من أنّ الصادرات الصافية تعافت بشكل متواضع. اما على صعيد الإنتاج، فقد واصل النشاط العقاري، الذي كان المحرك الرئيسي للنمو في الماضي، انخفاضه.

ومع ذلك، رجّح ايراديان ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في النصف الثاني من العام بنسبة 1.8 في المئة، مدفوعاً بالاستثمارات العامة والقطاع السياحي، حيث إنّ الإصلاحات المالية المرجوَّة في النصف الثاني من هذا العام بالاضافة الى الاجراءات التقشفية قد تحسّن ثقة المستثمرين وتضمن الحصول على قروض «سيدر». وتوقع نتيجة ذلك، نموَّ إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 0.3٪ في عام 2019، وبنسبة 2 في المئة في عام 2020.

 

مخاطر النظرة المستقبلية

كشف ايراديان انّ هناك خطرين رئيسيين يؤثران في التوقعات وفي النظرة المستقبلية للبنان، وهما انهيار وحدة الحكومة الحالية والفشل في تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية اللازمة. ولفت الى انّ المشاحنات السياسية والأمنية الأخيرة، وفي حال أدّت إلى استقالة عدد من الوزراء في الحكومة الحالية، فإنّ الفراغ السياسي الناتج عن ذلك يمكن أن يؤخّر تنفيذ الإصلاحات ويزيد من مخاطر التخلّف عن السداد أو انهيار الليرة اللبنانية في المدى المتوسط.