ما شهدته ساحة رياض الصلح في بيروت ليل الأحد 23/8/2015، حرّف انتفاضة الشعب اللبناني إلى مكان آخر، يختلف اختلافاً كلياً عن الأهداف التي وضعتها حملة «طلعت ريحتكم»، إذ بدا واضحاً للعيان من خلال صراخ مجموعة اندست بين المتظاهرين لشعار «الشعب يريد إسقاط النظام» وسعيها لافتعال صدام مع القوى الأمنية وصولاً إلى استدراجها لمواجهة مفتوحة مع المتظاهرين، وهو ما حدث فعلاً، فتحولت ساحة رياض الصلح إلى ما يشبه ساحة حرب.
فمن تابع البث المباشر للقنوات اللبنانية تبين له بالصوت والصورة كيف كانت مجموعة ظهر بعض أفرادها ملثمين سعوا بوضوح إلى التحرش بالقوى الأمنية واستفزازها على مدى أكثر من نصف ساعة، وذلك بالرغم أن اللجنة المنظمة للتظاهرات أعلنت انتهاءها في ساحة رياض الصلح، بعد أن نجحت التظاهرة في الضغط على الحكومة وايصال ما تريده بحسب احد المنظمين. إلا أن تلك المجموعة استمرت في تحرشها بالقوى الأمنية وحصل ما حصل، فتحولت ساحة رياض الصلح ساحة حرب بين القوى الأمنية وتلك المجموعة المندسة التي عملت لتخريب بعض الممتلكات العامة والخاصة. ولكن هذا لا يبرر مطلقاً العنف المفرط الذي واجهت فيه القوى الأمنية المحتجين، وهو أمر يجب محاسبة المسؤولين عنه بكل شفافية سواء من قبل القوى الأمنية أو من بعض مثيري الشغب خصوصاً المثلمين منهم.
وقد ساهم منظمو حملة «طلعت ريحتكم» بشكل غير مباشر بالحال التي آلت إليها التظاهرة، نتيجة عدم وضوح الشعارات واختلافها، وعدم تحديد مدة زمنية للتظاهرة، وترك الخيار للمتظاهرين بمتابعة التظاهرة بعد اعلان أحد المنظمين انتهاءها، وهنا كان يجب الحسم بوضوح والإعلان عن انتهاء التظاهرة وليس ترك الخيار للمتظاهرين في البقاء من عدمه. كما كشفت أحداث ليلة الأحد أن التظاهرة كانت تفتقد القيادة والتنظيم، حيث بدا الارتباك واضحاً بين المنظمين، بعد أن فقدوا السيطرة على حركة المتظاهرين مما أوحى بعدم أهليتهم لقيادة هكذا حراك.
كما إن بعض المحطات التلفزيونية اللبنانية، وبدل أن تعمل لتهدئة الموقف وفضح التحركات المشبوهة لبعض الفوضويين الذين اندسوا بين المتظاهرين ورفضوا الالتزام بدعوة منظمي حملة «طلعت ريحتكم» بإنهاء التظاهرة، أخذت تعمل على تأجيج الموقف من خلال التركيز على ما تفعله القوى الأمنية وتجاهل تلك المجموعة المندسة التي سعت بإصرار الى استفزاز القوى الأمنية، كما أن تلك الأقنية كانت تحاول التركيز على رئيس الحكومة وبعضها أعضائها كوزير الداخلية في محاولة واضحة ومكشوفة لتجيير التظاهرة لمصلحة أطراف سياسية من مصلحتها تعطيل الحكومة كما عطلت انتخاب رئيس الجمهورية، وذلك من خلال الالتقاء ببعض المتظاهرين المعروفي الانتماء الى تلك الأطراف السياسية في محاولة اختزال الأزمة اللبنانية بشخص رئيس الحكومة وتحميله المسؤولية لوحده.
وحسناً فعل منظمو حملة «طلعت ريحتكم» أن قرروا إرجاء التظاهرة التي كانت مقررة يوم الأثنين الماضي الى وقت لاحق.. لفسح المجال أمام المنظمين على ما يبدو للوقوف على ما حصل ليلة الأحد والسبت، ولمراجعة خططهم وتحركاتهم المستقبلية بعد مشاهدة ما جرى، واتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر لمنع أي اختراق لهذا الحراك المدني والتشديد على الأهمية القصوى لعملية التنظيم لمنع تكرار ما حصل.
ولعل الخطر المحدق بتلك الاحتجاجات هو رفع شعارات براقة وكبيرة يصعب تحقيقها من قبيل «الشعب يريد اسقاط النظام»، وعلى المنظمين أن يعوا خطورة الانسياق وراء تلك الشعارات، وأن يتعلموا مما حصل في سوريا، وأن يحصروا أهدافهم في شعارات واقعية يمكن تحقيقها. فليس كلّ من كبّر الحجر أصاب هدفه.
نقول هذا الكلام لحرصنا على إنجاح تلك التظاهرات في الوصول إلى تحقيق أهدافها المشروعة بشكل سلمي وحضاري، ولكي لا يتحول هذا الحراك من حراك مدني إلى شغب مدني يفاقم الوضع بدل حلحلته.