Site icon IMLebanon

قرار أوروبي جديد قريباً يُطالب بإعطاء النازحين السوريين “الحقوق الإجتماعيّة”… ما يعني تأكيد “توطينهم” في لبنان!!

 

 

في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار في المنطقة والعالم الى حرب غزّة، والى المرحلة الثانية أي الإجتياح البرّي المرتقب، ونجاح بعض الوساطات العربية في فتح معبر رفح لتمرير المساعدات الإنسانية للفلسطينيين “المحاصرين” في قطاع غزة، يُواصل البرلمان الأوروبي مساعيه لإبعاد شبح النزوح السوري عن دوله الرافضة لوجوده. ويتحضّر البرلمان الأوروبي، الى استصدار قرار جديد خاص باللاجئين السوريين، على ما تُسمّيهم الدول الأوروبية، لدعمهم ودمجهم في دول الجوار، أي في لبنان والأردن وتركيا. وينصّ هذا القرار الثاني على ضرورة إعطاء النازحين حيث هم، أي في الدول المضيفة لهم، “الحقوق الإجتماعية”، ما يعني دمجهم تدريجاً في هذه المجتمعات، وصولاً الى إبقائهم وتوطينهم فيها.

 

مصادر سياسية مطلعة تقول بأنّ الدول الأوروبية ماضية في التحضير لهذا المشروع “الخطير” بهدف إقراره قريباً في البرلمان الأوروبي، رغم كلّ ما يحدث في غزّة وما يُمكن أن تؤدّي اليه تداعيات هذه الحرب، من إعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط. ويأتي مشروع هذا القرار بعد القرار الأول الذي صدر في 13 تمّوز المنصرم، ونصّ في البند الثالث عشر منه على إبقاء اللاجئين السوريين في لبنان، في خطوة أولى لرفض عودتهم الى بلادهم، ولمنع تسلّلهم بطرق غير شرعية الى الدول الأوروبية التي ترفض وجودهم، ولا ترى في هذا الرفض أي شيء من “العنصرية” التي تتهم بها لبنان.

 

وكان لبنان الرسمي قد رفض هذا القرار في حينه، وبعث برسالة الى البرلمان الأوروبي أدان فيها القرار ورفضه، مُحذّراً إيّاه من مخطط توطين النازحين السوريين في لبنان، ولكن من دون أن يُبطل مفاعيله الأسياسية والأمنية والقانونية والإقتصادية، ويعمل بعكس ما يُطالب به توصّلاً الى إعادتهم الى سوريا. علماً بأنّ لبنان لم يكن قد شهد بعد موجات النزوح السوري الجديد بالكثافة الحاصلة اليوم.

 

وفيما يتعلّق بما يسمّيه القرار الجديد “الحقوق الإجتماعية”، فهي تشمل على ما أوضحت المصادر نفسها، الحقّ في السكن والتربية والتعليم والطبابة، وكلّ ما يتعلّق بالحصول على الحقوق الإجتماعية المعيشية واليومية. وهذا يعني أنّ مشروع القرار يهدف الى مساواة النازحين السوريين بالمواطنين اللبنانيين، ما يعني أكثر من دمجهم بل توطينهم وإعطائهم الجنسية اللبنانية. ويحصل ذلك رغم اعتراض لبنان على أي مشروع للتوطين على أراضيه، كون دستوره يرفض هذا الأمر رفضاً قاطعاً، ويأتي ضمن اللاءات الثلاثة التي وردت في مقدمة الدستور اللبناني وهي “لا للتجزئة، لا للتقسيم، لا للتوطين”.

 

وإذ يُفاجأ البعض بأداء البرلمان الأوروبي الذي يقوم بالضغط على لبنان، الذي لا يُمكن مقارنته بأصغر الدول الأوروبية، لجهة حجمه وقدرته على استيعاب هذا العدد الهائل من النازحين السوريين، الذي يكاد يفوق عدد سكّانه خلال سنوات قليلة، ويتهمه بالتالي بالعنصرية، أكّدت المصادر بأنّ الدول الأوروبية تقوم بما يصبّ في مصلحة دولها، وهو إبعاد شبح النازحين السوريين عنها، كونها لم تعد تريد تحمّل عبء هذا اللجوء، رغم أنّها “دول لجوء” موقّعة ومصدّقة على اتفاقية فيينا ذات الصلة. كما ترفض إعادتهم حالياً الى بلادهم، كونها ستتكفّل بإعادة إعمارها، وهي ترفض القيام بذلك في المرحلة الراهنة.

 

أمّا مشاريع القرارات التي تُقدّم في البرلمان الأوروبي فلا تهدف سوى لإبقاء “اللاجئين”، بحسب مفهومها حيث هم، من دون أن تكترث الى ما يُكبّده بقاؤهم في لبنان، أو في دول الجوار من كلفة باهظة لا تستطيع الخزينة اللبنانية تحمّلها. فقد كلّفت استضافة لبنان للنازحين السوريين منذ العام 2011 حتى اليوم، على ما أشارت المصادر نحو 50 مليار دولار بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ولم يُساهم المجتمع الدولي سوى بـ 12 مليار دولار على مدار السنوات الماضية. فيما تبلغ الموازنة العامة السنوية للدولة اللبنانية مليار دولار، ما يعني أن كلفة النزوح توازي 32 موازنة. مع العلم أنّ ديون لبنان تتخطّى المئة مليار دولار، وهو غير قادر على سدادها.

 

من هنا، يعمل مجلس النوّاب على تشكيل وفد نيابي من مختلف الكتل والأحزاب للسفر الى بروكسل ومواكبة التحضير لمشروع القرار، بهدف تشكيل قوّة ضاغطة لتغيير مضمونه الذي يرفضه لبنان رفضاً قاطعاً، لا سيما في المرحلة الراهنة التي لا أحد يدري إذا كانت حرب غزّة ستمتد الى لبنان أم لا، الأمر الذي سيُشكّل خطراً في حال حصوله، ليس فقط على اللبنانيين، إنّما على النازحين السوريين المنتشرين على كامل الأراضي اللبنانية، والذين تتحمّل الدولة مسؤولية حماية سلامتهم. كذلك تتمّ دراسة إمكانية طلب وقف المساعدات المالية للنازحين السوريين في لبنان التي تبقيهم فيه، الأمر الذي سيدفع عدداً كبيراً منهم الى اتخاذ قرار العودة الى مناطقهم، أو المغادرة الى بلد ثالث يُمكنه الإحتماء فيه فيما يُمكن أن يحصل في لبنان وسوريا.

 

ولفتت المصادر عينها الى أنّ كلّ من تركيا والأردن قد نجحتا في مفاوضة المجتمع الدولي، ومن ضمنه الأوروبي، إذ هدّدتا بأسلوب معيّن من فتح المعابر للنازحين السوريين لديهما للذهاب نحو الدول الأوروبية، فانهالت عليهما المساعدات، وقامتا عندها بتنظيم الوجود السوري من خلال إقامة مخيمات حدودية له.

 

أمّا لبنان، فلا يزال يتخبّط مع المفوضية العليا للاجئين السوريين للحصول منها على “داتا” النازحين، ولم يتخذ بعد أي قرار موحّد بشأنهم، فيما الخطط الموضوعة لا تُنفّذ، وكذلك القوانين التي من شأنها الحدّ من عدد النازحين بشكل كبير. علماً بأنّ المعلومات أفادت بأنّ حزب الله و”حركة أمل” قد قاما بإحصاء عدد النازحين السوريين في مختلف المناطق والقرى المحسوبة عليهما، ولهذا لا بدّ للبلديات في بقية المناطق والبلدات من القيام بهذا المسح السكاني، من دون انتظار “داتا” المفوضية التي لا تضمّ سوى بيانات أقلّ من 800 نازح سوري.

 

وفي الوقت الذي تشير فيه الإحصاءات التقريبية الى وجود أكثر من مليونين و200 ألف نازح سوري، يتحدّث مدير عام الأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري عن أنّ عددهم قد وصل الى 4 ملايين، لا سيما مع موجة النزوح الجديدة الأخيرة. وإذا كان هذا العدد صحيحاً، على ما تقول المصادر ذاتها، فإنّ الخطر الوجودي بات حقيقياً، ولم يعد هناك من حاجة لانتظار السنوات المقبلة، لكي يُصبح عدد النازحين السوريين أكثر من عدد اللبنانيين. كما أبدت المصادر خشيتها من أن تطغى حرب غزّة على ما عداها من أحداث المنطقة، لا سيما على ملف النزوح السوري الى لبنان، ويتم تأجيله الى أجلٍ غير مسمّى.

 

ويبقى السؤال: متى سيتحرّك لبنان بشكل جدّي وفعّال وسريع لوقف موجة النزوح الجديدة، ولتنظيم استضافة النازحين السوريين على أراضيه، تمهيداً لإعادتهم الى بلادهم؟ ولماذا لا يلجأ بالتالي الى اعتماد السياسة التي دعا اليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عندما قال: “إفسحوا المجال لمن يرغب من النازحين السوريين في التوجّه صوب أوروبا”، علّ هذه الدول ترتدع وتهبّ لمساعدة لبنان على إعادتهم الى بلادهم؟!