Site icon IMLebanon

١9٦٧ – الجنوب جائزة أهله

 

 

منذ الإستقلال وحتى اليوم، لم يذق الجنوب اللبناني ولا أهله، طعم الراحة.

من سوء الطالع، أن يترافق الإستقلال مع الإحتلال. وأن يدفع الجنوب ثمن الثورة الفلسطينية الأولى والثانية. وأن تتحوّل معابره الشرقية وبواباته الجنوبية، كما شواطئه البحرية، إلى معابر الهجرات المتعاكسة، يهرب الفلسطينيون إليه، وتتم عمليات تهريب المستوطنين اليهود منه إلى داخل فلسطين. ومن عاش تلك الحقبات، يروي لنا الروايات وقصص العذاب، التي كانت تقع على أهل الجنوب، جراء الهجرات المتعاكسة.

 

وحين غادر الفرنسيون الجنوب، حلّ الموساد محلهم. فهجّر القرى السبع، وإقتطع من أراضي الجنوب، ما يشبع به جوعه المزمن للأرض. وصارت للجنوبيين قرى وتلال وجبال وحقول سليبة. واستكملت النكبة فصولها، بتهجير الجنوبيين، بُعيد حرب الإنقاذ، ولجأوا إلى الداخل، ونزلوا مع الفلسطينيين المهجرين، في هجرة واحدة، وفي مخيمات واحدة.

عانى الجنوبيون منذ ذلك التاريخ المبكر، في النصف الأول من القرن العشرين الهجرة القاسية، عن البيت والحقل والقرية، وذاقوا الأمرّين، بالتخلّي قسرا عن ممتلكاتهم وأرزاقهم، وعاشوا في أماكن اللجوء حزانى، على أمل العودة.

 

ومع إنطلاقة العمل الفدائي من الجنوب اللبناني، جعلت إسرائيل الجنوب وأهله نصب عينيها. فعملت باكرا، على ملاحقة الفدائيين ومطاردة الفصائل الفلسطينية. وكان الجنوب والجنوبيون، يدفعون الأثمان الباهظة، من الأرواح والأموال والأرزاق على حد سواء.

وكلما كان يتقدم العمل الفدائي في الجنوب، تسارع إسرائيل إلى كيل الضربات عليه، بالطائرات والصواريخ، وتسيّر إليه القوى البرية الآلية والراجلة، فتهدم المنازل وتذلّ أهل القرى، وتمعن في أعمال تخريب الممتلكات، بتهم معاونة الفدائيين ومساعدتهم، والإنضواء في صفوف الثورة الفلسطينية.

اشتدّت وطأة الحرب الإسرائيلية على الجنوب، بعد نكسة حزيران ١٩٦٧. وكانت تقوم بإجتياحات، حيثما ترى، وحيثما يخطر على بالها. فتزداد الحياة في الجنوب سوءا على سوء، وتهجّر الناس وتدفعهم قسرا لمحاصرة منازلهم وبيوتهم وترك أرزاقهم لقمة سائغة لهم.

اشتدّت الحملات الإسرائيلية على الجنوب وأهله، بعد إتفاق القاهرة، دفعوا الأثمان الباهظة. وكان الجنوب لا يرتاح من إجتياح، حتى يطل الإسرائيليون عليهم بإجتياح ثانٍ وثالث. ويروي لنا الجنوبيون صور العذاب في قراهم، التي ما كانوا يعرفون موعد نزول الكوموندس الإسرائيلي عليهم، ولا كانوا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، فيصيرون بذلك لقمة سائغة للموساد وكلابهم البوليسية الشاردة.

دفع الجنوب وأهله، أكثر من اللبنانيين جميعا، ثم الإجتياح في الرابع من حزيران ١٩٨٢، نالت منهم المجازر الجماعية، وكان العدو شديد الملأمة عليهم، بتهم شتى، ليس آخرها التعاون مع الثورة الفلسطينية – (فتح)، من خلال الحركة الوطنية اللبنانية الفلسطينية، ولا من خلال جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول)، وإنما لطمع دفين في أرض الجنوب الخصبة، ومياه الليطاني والوزاني، والزهراني وسائر الأنهار الجارية ناهيك عن شاطئ الناقورة وصور وصيدا، وصولا حتى مثلث خلدة والأوزاعي. وغيرتهم من منتجعات بيروت والجبل وإنطلياس وجونية.

كان إحتلال الجنوب ولبنان لعشرين عاما وأكثر، شديد الثقل على الجنوب وأهله، فإندفعت الحكومة لإلغاء إتفاق القاهرة، وتعالت الأصوات، بعد التحرير، في الخامس والعشرين من شهر نيسان العام ٢٠٠٠، تنادي على الدولة بحماية الأرض والشعب في الجنوب، بقواها الشرعية دون غيرها. فظهرت نوايا جديدة، بعدم التخلّي عن السلاح لحجج واهية. وإستفحل الأمر على الجنوب والجنوبيين، بحرب تموز ٢٠٠٦.فتهدّمت القرى على رؤوس أهلها، وذاق الجنوبيون منها، ما هو أشدّ وأدهى.

وفي أعقاب هذه الحرب، أخذ الجنوب وأهله يدفعون ثمن إستيقاظ السلاح عليهم من جديد. وكان كل يوم يمرّ عليه، يذوق فيه الشعب مرارة العلقم. ولم ينفع الصبر الإستراتيجي، ولم تنفع الأنفاق، ولم تنفع الصواريخ، ولم تنفع الأعلام: ما إستطاعت «أن تحمي المدينة من شظايا قنبلة».

كانت دروس حرب الإسناد تستيقظ العدو الإسرائيلي، من جديد على الجنوب والجنوبيين، وكانت نتائجها الوخيمة والمعلومة. وها هو الجنوب اليوم، يعاني من أشدّ محرقة في تاريخه القديم والحديث. وها هو العالم كله يساند لبنان، في حصرية السلاح، ويتعهده بتحريره وإعماره. فهل تذهب الدولة لهذا الخيار الذي يحمي الجنوب والجنوبيين، فيكون بذلك جائزة أهله الصابرين، على مدى قرن وأكثر؟ أم لا زال هناك أطماع عند بعض الجهات، لإعادته ساحة مستجدة غب الطلب؟