IMLebanon

أي “تركيبة” للدولة يطمح إليها جعجع بعد حلّ أزمة السلاح؟

 

 

ليست المرة الأولى التي يطرح فيها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع مسألة إعادة النظر في تركيبة الدولة اللبنانية، فقد سبق أن فعل ذلك في مطلع العام 2023، ثم كرّر الفكرة في مقابلات تلفزيونية عدة. إلا أنها المرة الأولى التي يذكر فيها هذا الأمر في احتفال حزبي ضخم كالمؤتمر العام، الذي حدّد فيه الأولويات لسياسة “القوات” العامة، وأجرى جردة شاملة لما حققه “الحزب” تاريخيًا وداخليًا، إضافة إلى التحديات الوطنيّة المستقبلية الآتية.

 

حرفياً قال جعجع الآتي:”لا بدّ من الإشارة إلى أنّ حياتنا الوطنيّة، منذ سنوات الاستقلال حتّى اللحظة، لم تكن يومًا كما تمنّتها الأكثريّة الساحقة من اللّبنانيين؛ فلقد كنّا ننتقل من أزمة كبيرة إلى أزمة أكبر كلّ بضع سنوات، وبالكاد نستطيع أن نستذكر مرحلة، ولو صغيرة، من تاريخنا الحديث يمكن اعتبارها مرضيّة. من هذا المنطلق، نحن مصمّمون، وبمجرّد أن تسمح لنا الظروف، على طرح إعادة النظر بتركيبة الدولة الحاليّة تطلّعًا للأفضل، ولكن كلّ ذلك ضمن حدود لبنان المعترف بها دوليًّا، ضمن الـ10.452 كلم².”

 

لا شكّ في أن طرح جعجع المتكرّر لإعادة النظر في تركيبة الدولة يرضي البعض ويُزعج البعض الآخر، ولا يُخفى على أحد أنّ جزءًا كبيرًا من المسيحيين يؤيّدون هذا الطرح، طامحين إلى تطبيق الفدرالية التي تحافظ على خصوصيات المكوّنات اللبنانية في إطار اتحادي. أمّا تأييد المسلمين فيتفاوت بين مرحّب من جهة ومتخوّف من جهة أخرى، ويبدو أنّ هناك عددًا لا يُستهان به من المتخوّفين الذين يفضّلون استكمال اتفاق الطائف وتطبيقه، وإنشاء مجلس للشيوخ وتغيير قانون الانتخابات النيابية.

 

لكن مصادر “القوات” تؤكّد أنّ جعجع، عندما يتحدّث عن إعادة النظر في تركيبة الدولة، لا يعني أنه يدعو إلى التخلي عن اتفاق الطائف حكماً، إنما تطبيق ما هو إيجابي فيه وتطويره واستبعاد الشوائب التي تعرقل قيام الدولة، والمحافظة على جوهره وتعزيز دور مؤسساتها. وتلفت المصادر إلى أنّ التركيبة كما هي اليوم تُعدّ فاشلة بامتياز، علمًا أن “الطائف” مضى على إقراره 36 عامًا، وقد أُقرّ على عجل لأنه كان مطلوبًا إنهاءُ الحرب في لبنان آنذاك، وللأسف فإن هذا البلد لم ينعم بالراحة منذ 1943 إلا في فترات متقطّعة.

 

واللافت أن جعجع، عندما يطرح مسألة إعادة النظر بالتركيبة، لا يعبّر عن رأيه الشخصي فحسب، إنما يتحدث باسم “القوات” والبيئة السياسية التي تمثّلها، فضلًا عن عدد كبير من المكوّنات اللبنانية.

 

وترى مصادر “القوات” أنّ الوقت غير ملائم اليوم للدخول في هذا النقاش، بل ليس من أولويات “القوات” في المرحلة الحاضرة، إذ إنّ طرحه مؤجَّل حتى إشعارٍ آخر، والأولوية الآن لحلّ مسألة السلاح الذي يُصادر قرار الدولة ويُبقيها مشلولة وصوريّة، ويمنع الاستقرار ولا يُشجّع على الانتقال إلى مرحلة جديدة.

 

إطلاق حوار حول مسألة إعادة النظر في تركيبة الدولة، بعد حلّ مشكلة السلاح، لن يحصل – وفق مصادر “القوات” – إلا بالتعاون مع الشركاء في الوطن لاختيار التركيبة المناسبة والصالحة لإدارة حياة سياسية سليمة تؤمّن الاستقرار وتحفظ ديمومة هذا البلد، بحيث لا يكون هذا الاستقرار هشًّا أو معرّضًا للسقوط عند حصول أي تبدّلات إقليمية أو تحوّلات خارجية تحمل معها عواصف إلى لبنان.

 

وتؤكّد مصادر “القوات” أنها لن تسمح اليوم بحرف النظر عن موضوع السلاح أو خلق أيّ عذر للمطالبة بأي تعديل دستوري تحت سطوته. لذلك، إنّ الأولوية هي تحرير الدولة المكبّلة والمغيّبة من المشروع الإيراني.

 

وبعدها، لا بدّ من فتح النقاش في حوارات – قد تكون تحت قبّة البرلمان – من أجل البحث في تركيبة الدولة. وتشير المصادر إلى أنّ ذلك، إذا حصل، فسيكون لخير التجربة اللبنانية، انطلاقًا من ثابتة رئيسيّة هي الـ10.452 كيلومترًا مربعًا؛ أي لا دعوة إلى التقسيم، بل انطلاقٌ من حرص “القوات” على التجربة اللبنانية التفاعليّة، والسعي إلى خلق أطر دستورية لإغنائها حتى تصبح أكثر صلابة وبمنأى عن العواصف، وتؤمّن وحدة البلد على قاعدة سيادية وتعدديّة، فلا يشعر أيّ مكوّن لبناني يومًا بأنه مهدّد بمخاطر ديموغرافية بمجرد حصول تحوّلات إقليمية خارجية.