Site icon IMLebanon

سلطان الحق والواقعية

بادر الرئيس الشهيد رفيق الحريري السياسيين، وهو يشير الى صديقه، انه توفيق، لكنه لم يكن موفقاً في نقده لقرار حكومته.

صمت رئيس مجلس الوزراء هنيهة وأردف: لكن سلطان الحق، يبقى سلطان الواقعية السياسية.

وردّ توفيق سلطان، على رئيس الحكومة في السراي الكبيرة التي أعاد ترميمها، بأنه باقٍ، في قول: ما يراه حقاً للدولة، وبأن للسلطة حقاً، وليس مجرد وجهة نظر.

وعقب دولته بأن لبنان لا يستقيم إلاّ بالحوار، وبأن توفيق سلطان هو أحد أعمدته، بل هو عنوان للحرية في التعبير عنه.

وبعد ذلك، اختلط الحابل بالنابل، في حفل أقامه تكريماً لزائر كبير.

راودتني هذه التعابير، وأنا أقرأ ان مدينته طرابلس كرّمته، وقدمت اليه درع الحق أو درع الحقيقة التي حملها في قلبه ورأسه وصدره قرابة نصف قرن من الزمان الصعب.

كنت في الثلاثين من عمري، عندما تعرّفت اليه في طرابلس، وكانت الفيحاء تظلّل الكبار في المواقف، من أمثال الرؤساء سليمان فرنجيه ورشيد كرامي وأمين الحافظ والنواب هاشم الحسيني وعبدالمجيد الرافعي وسالم كباره والقادة نقولا الشاوي وقبولي الذوق ورشيد درباس.

يومئذ، كان يقف الى جانب شقيقه الراحل صفوح، ويتّكئ على تراث والده وأعمامه من رؤساء بلدية طرابلس، لكنه ظلّ طوال حياته: توفيق سلطان الذي يصادق الجميع، ولا يمالئ أحداً منهم.

كان يرفض ثلاثة: ان يوصف بأي لقب، أن يثني على أحد لمجرد الثناء، ان يكره أحداً لأن آراءه لا تعجبه.

من أجل ذلك أحبّه محسن ابراهيم، وأعجب به معظم رؤساء الجمهورية والحكومات من رشيد كرامي الى نجيب ميقاتي، ويتدثّر بآرائه المفكرون الكبار من الشهيد جورج حاوي الى نائبه كريم مروة، الى النائب السابق محمود طبو.

توفيق سلطان ظلّ سلطاناً للحق، وصديقاً للجميع، وعدواً للجميع أحياناً.

ظلّ يتابع دوره القيادي، وعندما اختاره كمال جنبلاط مفوضاً للشؤون العربية في الحزب التقدمي الاشتراكي، كان يدرك انه أحسن الاختيار.

لم يعمل لنفسه بل لمدينة أحبّها باخلاص ووفاء.

ولم ينس لحظة الأماكن التراثية في فيحاء الشمال، بل سعى الى تعزيزها والذود عنها، ضد غلمان المنافع والمصالح.

ولا أحد في العاصمة الثانية، يجد ما يعيبه على موقف، لأنه عمل للجميع، وللكل في مدينة تبحث عمّن ينصفها ولا تجده.

وهكذا يكون سلطان الحق والواقعية الضائعة في دهاليز الأخطاء والعنعنات.

رأى توفيق سلطان، بكلامه الواضح دائماً، والجارح أحياناً، ان للحقيقة طريقاً واحداً، هو اعطاؤها الرأي الصارم، لأن لطريق النضال ممراً واحداً هو الموضوعية.

لم يفكّر يوماً في المناصب، بل ركلها، وأبعدها عنه.

خدمة مدينته كانت هدفه الأمثل والأقرب الى الناس.

ولذلك، فقد كان ذاكرة الفيحاء عندما يغيب المؤرخون، لأنه ظلّ أفضل من يؤرّخ حياة مدينة أحبّها، وأحسن من يعطي مدينة الليمون والبلح نكهتها الطيّبة، ورائحتها العطرة. لم يكن لأحد، بل كانوا جميعاً له.