منذ غياب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن الحياة السياسية، وتعليق عمله السياسي في كانون الثاني 2022، والعزف عن خوضِ الانتخاباتِ النيابية، برز التشتت لدى النواب السنّة في لبنان وغياب معظم نواب الطائفة عن الحضور السياسي اللافت، باستثناء البعض القليل منهم، فلا توافق ولا تحالف ولا كلمة موحدّة، بل كتل فرقتها السياسة المتأرجحة بين خطين لا يلتقيان، ما ساهم في إضعاف الموقف وبروز خطاب مختلف ادى الى تباعد المسافات فجعلها شاسعة، ما دفع بمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الى السعي للمّ شمل الطائفة، بهدف تأدية دورها للحد من الخسائر السياسية ومراجعة الحسابات، لذا يعمل منذ تغييب الحريري سياسياً على تكثيف الاتصالات الداخلية والخارجية مع الدول العربية، خصوصاً المملكة العربية السعودية.
إنطلاقاً من هنا ووفق مصدر نيابي سنّي، تتكثف الاتصالات منذ فترة بين مجموعة من النواب السنّة، بدعم من دار الفتوى لتحقيق المثل الشائع “في الجمع قوة لا يستهان بها”، ولرسم خارطة طريق للمرحلة المقبلة، ووضع سكة للتعامل مع التطورات الجارية، والتشديد على دور الرئاسة الثالثة وإعادة تصويب المسار، وتفعيل خطاب قاطن السراي الحكومي، حيث تشير المعلومات الى وجود تواصل دائم بين دار الفتوى والكتل النيابية السنّية، انطلاقاً من عمل المفتي دريان على ترتيب البيت الداخلي لإنهاء التشتت الحاصل، كما يُجري اتصالات بعيدة عن الإعلام، مع جهات لبنانية وعربية فاعلة، للتشاور ونيل الدعم الخارجي في هذه الظروف المصيرية الخطرة، والتواصل المستمر مع المحيط العربي الداعم للرئاسة الثالثة في لبنان، والذي يؤدي دوراً كبيراً لإيصاله الى السراي.
في السياق لفت المصدر المذكور الى انّ المفتي دريان قام بحراك لافت تجاه بعبدا وعين التينة والسراي الحكومي، معلناً الدعم للعهد والمواقف الحكومية، وسبق ذلك زيارة الى سوريا التقى خلالها الرئيس السوري احمد الشرع، حيث بحث معه قضايا هامة ساهمت في انفتاح سياسي بين البلدين، كما نشهد مواقف سياسية لسماحته في الملفات الهامة المطروحة اليوم، وابرزها حصر السلاح في يد الدولة وحدها، فيما يتفادى معظم نواب الطائفة إطلاق الدعم للعهد، باستثناء الصقور منهم وهم قلة معروفة، اذ لم نسمع اي موقف داعم لرئيس الحكومة نواف سلام، باستثناء البعض، لافتاً الى انّ المصالح الشخصية تبدو طاغية لدى البعض، او انّ الطموح بالوصول الى السراي تمنعهم من ذلك.
ورأى المصدر أنّ مهمة المفتي دريان نجحت في إعادة الدور السنّي، لكنها تنتظر المزيد من التواصل من قبل نواب الطائفة، خصوصاً الصقور منهم لانّ زمن الحمائم قد ولىّ على ما يبدو، والمطلوب خطاب ناري لشدّ العصب في هذه المرحلة التي تتطلب الشجاعة وقول الحقيقة وعدم الخوف، معتبراً انّ الحراك الذي قام به المفتي دريان قلبّ الوضع السنّي وقضى بنسبة كبيرة على الفراغ السياسي ضمن الطائفة، مشدّداً على ضرورة عقد لقاء سنّي موسّع لانّ المستجدات تتطلّب ذلك، ضمن حركة تأييدية للرئيس سلام، وفق ما يقوم به المسيحيون المؤيدون للعهد بشخص رئيس الجمهورية، كذلك الشيعة الذين يدعمون الثنائي الشيعي، فلماذا لا نشهد تأييداً سنيّاً كبيراً لرئيس الحكومة؟
