Site icon IMLebanon

هل أُعطيَ “العشاء اللبناني” أكبر من حجمه لإفشاله؟

 

من دون توضيح الأسباب أو الاعلان عن موعد لاحق، أعلنت السفارة السويسرية عن إرجاء”العشاء اللبناني” و”غير الرسمي الذي كان من المفترض أن يُقام هذا الثلاثاء (اليوم) في منزل السفيرة السويسرية” والذي كان “يهدفُ إلى تعزيز تبادل الافكار بين مختلف الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية”. وفي محاولة لوضع حد للتأويلات أوضح البيان طبيعة الدعوة وأبعادها بالقول “خلال الشهرين الماضيين، وبالتعاون مع منظمة مركز الحوار الانساني التي تتخذ سويسرا مقراً لها، تواصلت سويسرا مع جميع الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية والاقليمية والدولية للتحضير لمناقشات تشاورية وليس مؤتمر حوار”. ووضعت الدعوة في إطار “التقاليد السويسرية ” في “بذل مساعٍ حميدة عندما يطلب منها ذلك” لتقول ان النقاشات التي كان مزمعاً “عقدها كانت نتيجة مشاورات سابقة مع جميع الاطياف السياسية اللبنانية والاقليمية والدولية، في ظل احترام تام لاتفاق الطائف والدستور اللبناني”. وأبعد من بيان ارجاء حاولت السفارة الرد على كل الأقاويل التي تناولت الدعوة والمدعوين حيث أردفت تقول: “الاسماء المتداولة في وسائل الاعلام لا تشمل أسماء المدعوين فعلياً، مع هذا، فقد جرى تأجيل العشاء إلى موعدٍ لاحق”.

 

رغم كونها دعوة غير رسمية الا أنّ البيان صدر عن السفارة ما يؤكد أنّ الخارجية في سويسرا لم تكن بعيدة عنها وإن لم تتبناها، وبدا أنّ المقصود توضيح الملابسات التي أحيطت بالهدف والأبعاد وحالة الاستنفار التي أعلنها البعض ازاء فكرة انعقاد مؤتمر حواري يجمع الأطياف اللبنانية عشية نهاية عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، وقد تمّ تظهير الخطوة وكأنها محاولة انقلاب على “الطائف” أو التفاف عليه للقول إنّ مخدومية هذا الاتفاق الذي للسعودية دورها الاساس فيه، انتهت وقد آن الاوان لتنظيم او بداية التفكير بمؤتمر تأسيسي جديد في لبنان ولفتح حوار حول اي نظام يريده اللبنانيون. كان اول المعترضين او المتوجسين من الفكرة، مصر والسعودية، وتلقى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي اتصالات صبت في هذا الاتجاه واجرى لقاءات هدفها الإستفسار عن غاية العشاء وطبيعة المدعوين والأحزاب التي أعلنت قبولها المشاركة وتلبية الدعوة. ومذ إعلان الخبر تحركت أكثر من جهة عربية ومحلية في سبيل تطويق مفاعيله وكان من نتيجة ذلك ابلاغ بعض الأطراف العدول عن فكرة المشاركة بعدما كان هذا البعض قد اكد الحضور. وخلال زيارته إلى قصر بعبدا وعين التينة آثر السفير السعودي في لبنان وليد البخاري حصر الزيارتين بالتأكيد على موقع اتفاق “الطائف” في الصيغة اللبنانية من دون أن يتطرق الى اتفاق الترسيم من قريب أو بعيد. واستبق زيارتيه بتغريدة حول الطائف تقول: “وثيقةُ الوفاقِ الوطنيِّ عقدٌ مُلزمٌ لإرساءِ ركائزِ الكيانِ اللبنانيِّ التعدديِّ، والبديلُ عنهُ لن يكونَ ميثاقًا آخر بل تفكيكًا لعقدِ العيشِ المُشتركِ، وزوالِ الوطنِ الموحَّد، واستبداله بكيانات لا تُشبهُ لُبنانَ الرسالةَ”. وأرفقها بـ”هاشتاغ” عن اتفاق “الطائف”. لتكون تلك بمثابة رصاصة الرحمة على المحاولة السويسرية، والتي اصطدمت لاحقاً بتحفظ النواب السنّة على تلبيتها.

 

وجاء في أسباب التوجس أن الخطوة التي أعلنت في أعقاب اتفاق الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل، والانفتاح الاميركي ثم الفرنسي على العهد ولّدا “نقزة” لبعض الجهات المعنية بملف لبنان وإن كانت لا تحرك ساكناً حياله في الوقت الحاضر، خاصة وأنّ ذلك أتى في غمرة الانكماش في العلاقة السعودية الأميركية ما عزز الخشية من عقد أي طاولة للحوار اللبناني الداخلي لا تكون الدول العربية الراعية للبنان عموماً شريكة أساسية فيها.

 

يقول البعض إنّ “بروفا الحوار” أو المقترح السويسري تمّ الترتيب لعقده برعاية فرنسية غير مباشرة، وكما سبق لفرنسا أن نظّمت مؤتمراً في سان كلو، لم تجد ضيراً في أن تكون سويسرا هي الوجهة والمكان المتفق عليه أي أن سويسرا ستكون شبيهة بمنطقة الناقورة في المفاوضات بين لبنان واسرائيل أو نقطة تقاطع جغرافي خاصة وأنها سبق واستضافت مؤتمرين متعلقين بلبنان اي لوزان وجنيف. لكن لا تشابه بين ظروف الأمس واليوم، الإقليمية منها والدولية. لكن هذه المؤتمرات والحوارات لم تكن تؤتي أكلها في الماضي فكيف ستعود بالفائدة بينما يشهد لبنان انقساماً حاداً وتباعداً في الآراء بما يجعل الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية شبه مستحيل. كان يمكن للدعوة أن تمر مرور الكرام لولا الاسقاطات التي أحاطت بها والتي كبرت من حجمها علماً أن سويسرا وغيرها من الدول عاجزة عن تقديم المعونة ما لم تحن لحظة التقاطع الاقليمي الدولي حيال لبنان.