Site icon IMLebanon

في مواجهة «غلاء» كورونا: سوريون يأكلون لمجرّد الشبع!

 

 

كيف يعيش الناس في سوريا هذه الأيام؟ سؤال له ما يبرّره في ضوء التقديرات الإحصائية المتعلّقة بوقوع شريحة واسعة منهم في دائرة الفقر، بفعل الأزمات الناشئة بعد انخفاض سعر صرف الليرة والتأثيرات المرافقة لظهور فيروس كورونا

 

دمشق | أيام فقط فصلت بين موجتَي غلاء قاسيتين ضربتا بقوة السوق السورية المحلية. الأولى كانت بفعل الانخفاض الأكبر الذي تعرّض له سعر صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية منذ أواخر العام الماضي، والثانية جاءت على خلفية ظاهرة «التحوّط» الغذائي التي لجأ إليها عدد كبير من السوريين تحسباً لأي تداعيات محتملة لظهور فيروس كورونا، كاضطرار الحكومة إلى تطبيق إجراءات احترازية أشدّ قسوة، والمخاوف المعتادة من إمكانية حدوث نقص في السلع الغذائية.

 

ومع أن ظاهرة الغلاء كانت القاسم المشترك الذي جمع معظم دول العالم خلال أزمة تفشي الوباء المستجد، إلا أنها في الحالة السورية كانت أخطر بالنظر إلى مستويات الفقر العالية المسجّلة خلال سنوات الحرب، إذ تشير تقديرات أممية صدرت قبل موجتي الغلاء الأخيرتين إلى وجود نحو 85% من السوريين في خانة الفقر، في حين أن مُسوح الأمن الغذائي الثلاثة التي كان قد أجراها المكتب المركزي للإحصاء خلال السنوات القليلة الماضية، خلصت جميعها إلى أن ثلث السوريين تقريباً يعانون من انعدام أمنهم الغذائي. هذا الأمر يطرح تساؤلات عن مصادر الدخل التي لجأت إليها الأسر لتأمين احتياجاتها من المواد والسلع الضرورية، ولا سيما تلك التي تفرضها الإجراءات الصحية الوقائية، والأسعار «المرعبة» المسجّلة في معظم الأسواق بما فيها الأسواق الشعبية التي اعتاد المواطن أن يجد فيها بعض «الرحمة».

 

34 مصدراً للدخل

تحت ضغط الزيادة الكبيرة في الأسعار، والتي تُقدَّر نسبتها ما بين 200 إلى 300%، فإن غالبية الأسر اضطرّت إلى جدولة أولوياتها بما يتفق وإمكاناتها المادية في موازاة البحث عن مصادر دخل جديدة تساعدها على مواجهة التكاليف التي فرضها انتشار فيروس كورونا. لا بل إن الظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ ما قبل ظهور الفيروس، أجبرت، بحسب الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور شفيق عربش، «أسراً كثيرة على تعديل ميزانياتها بحيث اكتفت بشراء الحد الأدنى من مواد التعقيم على حساب بعض السلع الغذائية، في حين أن هناك أسراً لم تهتم للموضوع بسبب الضعف الشديد الذي أصاب قدراتها الشرائية».

ويمكن الاستدلال على ذلك مثلاً بعدد الأشخاص الذين يرتدون الكمامات الطبية في الأسواق الشعبية المزدحمة، وفي محافظة أسر كثيرة على عاداتها الاستهلاكية المتمثلة في تأمين ما تحتاج إليه لإعداد طعامها (يوماً بيوم)، وفي الفاتورة الغذائية التي باتت تتكلّفها كل أسرة. فهناك أسر أنفقت بسخاء واشترت ما يعينها على «كابوس» الجلوس في المنزل، وهناك أسر اضطرت إما إلى صرف ما لديها من مدّخرات أو الاستدانة أو حتى بيع بعض ممتلكاتها المتبقية لتشكيل «احتياطي» غذائي متواضع.

وهذه خيارات ليست بجديدة على حياة السوريين، فهي أحد مصادر الدخل الموثّقة بموجب مسح دخل ونفقات الأسرة لعام 2009، والذي حدّد آنذاك 34 مصدراً لدخل الأسرة السورية، شكّل منها الأجر والراتب الشهري ما نسبته 51.17%، فالدخل المتأتّي من عمليات منشأة الأسرة بنسبة 24.36%، ثم المعاشات التقاعدية 4.61%. أما التحويلات والهدايا النقدية الواردة من الخارج، فإن نسبتها لم تكن تتجاوز 3.25%، وكذلك الحال بالنسبة إلى التحويلات والهدايا النقدية الواردة من الداخل، والبالغة نسبتها آنذاك 3%.

أما اليوم، فإن ظروف الحرب لم تغيّر فقط من نسبة مساهمة تلك المصادر في دخل السوريين، بل أضافت إليها مصادر جديدة، أبرزها ما يتعلق بالمساعدات الإغاثية العينية المقدّمة من قبل الحكومة أو المجتمع الأهلي أو المنظمات الدولية، وكذلك الدخل المتأتّي من المشاركة في الأنشطة غير القانونية التي ازدهرت في مختلف المناطق. وبحسب بيانات مسح الأمن الغذائي الثالث، فإن الأجر الشهري بات يشكل ما نسبته 56% من مصادر دخل الأسرة، كما أن التحويلات النقدية الخارجية ارتفعت نسبتها لتشكّل نحو 8%، وهي في نظر كثيرين أعلى من ذلك فيما لو تم احتساب التحويلات الواردة إلى الأسر بطرق غير قانونية.

 

إنفاق لفترة محدودة فقط!

الإقبال الكثيف على شراء السلع الغذائية وتخزينها خلال الفترة الماضية أثار تساؤلات مختلفة، منها ما يتعلق بمصداقية النسب المعلنة حول انتشار الفقر في ضوء ذلك الإقبال، ومنها ما ذهب باتجاه البحث في انتعاش القوة الشرائية الذي حدث فجأة، ومصادر الدخل التي جرى الاعتماد عليها لتغطية ذلك الانتعاش.

ومع غياب أيّ مؤشرات إحصائية خاصة بحجم ما تم إنفاقه خلال الفترة الماضية وكمية السلع الرئيسية المباعة، فإنه من غير الممكن القول إن جميع الأسر تمكنت من تشكيل مؤونة غذائية تكفيها لعدة أيام أو أسابيع. فهناك أسر وجدت نفسها عاجزة عن تأمين قوت يومها وفق ما اعتادت عليه سابقاً. وهذا استنتاج يدعمه بحث إحصائي أكد أن هناك أسراً عدّلت من استراتيجيتها الغذائية لتنتقل من الحالة التغذوية إلى مجرد تحقيق الشبع، بدليل أن متوسط إنفاق الأسر على الغذاء لم يتجاوز الـ 55 ألف ليرة شهرياً وفق نتائج مسح الأمن الغذائي الثالث غير المنشور.

 

تشكّل التحويلات النقدية الخارجية نحو 8% من مصادر دخل الأسر

 

 

وحتى الأسر التي تمكّنت مع بداية أزمة كورونا من شراء بعض مستلزماتها الغذائية، فإنها لن تكون قادرة على الصمود أكثر فيما لو طالت الأزمة لفترة أطول من المتوقّع. في هذا المجال، يقول رئيس الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان الدكتور أكرم القش، إن «غالبية الأسر اضطرت إلى اللجوء إلى التصرف بمدّخراتها القليلة، وهي مدّخرات للإنفاق لا للاكتناز».

أسر أخرى كان معيلها الوحيد في هذه الأزمة التحويلات المالية الخارجية، والتي هي بحسب الدكتور عربش «تشكّل مصدراً أساسياً للدخل بعد الرواتب والأجور. والتقديرات تقول إنّ حجم الحوالات الخارجية يُقدر بـ 5 ملايين دولار يومياً». وربما هذا ما دعا الحكومة إلى استثناء شركات التحويلات المالية من الإجراءات الأخيرة والسماح لها بالعمل في ظل مخاوف من تراجع حجم التحويلات إلى حدود مليوني دولار يومياً.

ورغم الحديث المتداول عن لجوء بعض الأسر إلى خيار بيع بعض مقتنياتها من الذهب لمواجهة الأعباء المادية الجديدة، إلا أن محالّ الصاغة في دمشق، ووفق ما ذكر أحد الصاغة، لم تسجّل حركة واضحة في بيع المشغولات الذهبية منذ السماح لها بالعودة إلى العمل.

 

من ملف : إصابات «كورونا» ترتفع… عودة إلى «الحجر العام»