Site icon IMLebanon

الطائف حرّر رئيس الحكومة من وصاية رئيس الجمهورية

 

 

ما زال الملف الحكومي في حالة من الجمود بعد أن ظهرت علاماتُ خللً جوهريّ في العلاقة بين رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة المُكلّف خلال الايام القليلة الماضية. وتفجّر الوضع إثر بيان الرئيس المكلّف الذي دافع فيه عن صلاحيات رئيس الحكومة قائلاً أنّه لن يقبل «أن تصبح رئاسة الحكومة مكسر عصا»، فقابله «المُنظّر الدستوري» لفريق الرئاسة الأولى سليم جريصاتي بمطالعة تحت مسمّى «إذاعة بيان» مزدحمة بالرسائل والدلالات خلص فيها ان «رئيس الجمهورية ليس ساعي بريد أو صندوق اقتراع في عملية التكليف وتسميته».

 

إنّ الاشتباك الرئاسي حول الحكومة يدلّ على وجود خلاف عميق مع الرئيس المُكلّف حول طريقة مقاربة ملف التأليف الحكومي وما بعده، ورفض رئيس الجمهوريّة التشكيلة التامة والناجزة للرئيس المُكلّف، الأمر الذي أرجئ تشكيل الحكومة في ظلّ تفاقم الازمة الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة في بلدٍ غرق في الظّلام والنّفايات، وفاحت فيه روائح الصّفقات والفساد.

 

وفي خضمّ التجاذب الحكومي واجتهادات المُنظّر الدستوري المتوسّع جريصاتي، تقتضي المرحلة الراهنة العودة إلى النصوص الدستورية الناظمة لصلاحيات التأليف.

 

نواب الأمّة يسمّون الرئيس المُكلّف

 

حرّر اتفاق الطائف مقام رئاسة الحكومة من وصاية وسطوة رئيس الجمهورية، ووضع صلاحية اختيار الرئيس المُكلّف لدى نواب الأمة بموجب الفقرة الثانية من المادّة ٥٣ من الدستور التي نصّت على أنّ «يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها».

 

ذلك يعني أنّ الكتل النيابية هي التي تسمّي رئيس الحكومة المُكلّف، ويكون رئيس الجمهوريّة ملزماً بتسمية الشخص الذي توافقت عليه الكتل النيابيّة لرئاسة الحكومة. وبالتالي تكون خلاصة «المنظّر الدستوري» للعهد، لجهة ان صلاحيات الرئاسة الأولى تجعل من رئيس الجمهورية مبادراً في عملية التسمية، في غير محلّها بيد أنّ دور رئيس الجمهورية في تسمية الرئيس المكلّف يأتي مكملاً لإرادة نوّاب الأمّة.

 

الرئيس المُكلّف يؤلّف الحكومة

 

وضعت الفقرة الثانية من المادة ٦٤ من الدستور الإطار الدستوري لصلاحيات رئيس الحكومة المُكلّف لناحية تأليف الحكومة، وهي تنصّ على انّه «يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها […]». وبالتالي فإنّ الرئيس المكلف هو الذي يجري الاستشارات النيابية بهدف تأليف الحكومة، التي يتعيّن ان تكون، وفقاً لرؤية الكتل وما تصبو إليه، سواء على صعيد التمثيل أو البرامج أو أي شأن آخر.

 

أمّا مسألة صدور مرسوم تشكيل الحكومة بتوقيع رئيس الحكومة ورئيس الجمهوريّة، فهو ضمن المسار الدستوري الطبيعي، باعتبار ان الدستور خوّل رئيس الجمهوريّة حق التوقيع، ولاستكمال دورة العمل المؤسساتي. الّا انّ «الفريق الباسيلي» يعتبر التوقيع على مراسيم الحكومة فضلاً عن كونه حقاً دستورياً، يعتبره حقاً ميثاقياً يرتبط بالقبول أو الموافقة. وبالتالي يعتبر رئيس الجمهوريّة نفسه المعني بالتمثيل المسيحي، مع الحق بعدم توقيع مراسيم الحكومة.

 

السلطة الاجرائيّة منوطة بمجلس الوزراء

 

إن مواد الدستور واضحة بخصوص البيان الوزاري ومسؤولية السياسات العامة. فالمادة ٦٤ تشير الى ان «رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة يمثلها ويتكلم باسمها ويعتبر مسؤولً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء». والبند الثاني يشير الى انه «على الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب في بيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوما من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها». والمادة ٦٥ أعطت الحكومة السلطة الإجرائية كما جاء في النّص «تناط السلطة الجرائية بمجلس الوزراء».

 

كما جاء في الفقرة الأولى أن «وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها». امّا المادة ٦٦ في فقرتها الأخيرة فقد نصّت على انه «يتحمل الوزراء اجمالياً تجاه مجلس النواب تبعة سياسة الحكومة العامة ويتحملون افرادياً تبعة افعالهم الشخصية».

 

جميع هذه المواد تؤكد ان الحكومة التي يرأسها رئيس مجلس الوزراء هي التي تملك سلطة البت في رسم السياسة العامة الداخلية والخارجية للدولة وهي المسؤولة امام مجلس النواب. وعليه، ليس لرئيس الجمهورية اي سلطة او دور في وضع او تنفيذ السياسة العامة.

 

هرطقة دستوريّة في محاولة اسقاط التكليف

 

يذهب البعض في استقوائه وممارساته المتمادية الى درجة التلويح بإسقاط تكليف رئيس الحكومة المُكلّف بالاستناد الى تفسيرٍ مُختلق للفقرة / و/ من البند الأول من المادة /٦٩/ التي تتيح لمجلس النواب ان تنزع الثقة من الحكومة بعد التأليف، فيقوم بترويج اجتهاد متحذلق مفاده انه ان كان يحق دستورياً لمجلس النواب نزع الثقة من الحكومة ورئيسها بعد التأليف فمن البديهي ان يحق للمجلس سحبها قبل التأليف، وما هذا الاجتهاد سوى هرطقة وهذيان، ذلك انه لا وجود لسياق دستوري يسمح بسحب التكليف من الرئيس المُكلّف والوسيلة الوحيدة لإنهاء التكليف هي اعتذاره بإرادته.

 

وفي السّياق، المح الوزير السابق كريم بقرادوني المعروف بقربه من رئيس الجمهورية في حوار مع محطة «أو تي في» إلى احتمال إقدام الرئيس عون على خطوات «غير متوقعة» كاشفاً أن مرسوم تكليف دياب «لم يصدر بعد» في إشارة الى امكانيّة أن يقدم الرئيس عون على سحب التكليف من الدكتور دياب بذريعة أن المرسوم لم يصدر بعد. الّا انّ هذه الذريعة تبدو واهية كون الرئيس عون كان قد استدعى الدكتور حسّان دياب الى قصر بعبدا لتبليغه بشكل رسمي تكليفه بتشكيل الحكومة.

 

وفي الواقع الدستوري لا يمكن سحب التكليف من الرئيس المُكلّف إن لم يعتذر رسميًا، وبكتاب خطّي يبرّر أسباب الاعتذار، ومن بينها تعذّر التأليف. وبالتالي ليس للفريق الرئاسي ولا المجلس النيابي ان يسحبا تكليف رئيس الحكومة المُسمّى الّا في ظل خرق فاضح للدستور بهدف تسجيل سابقة جديدة تصبح فيما بعد عرفاً، وهذه الخطوة بحال حصولها ستكون بخلاف النيّة التي قصدها المشرّع، وتصيب صُلب الدستور وموقع الرئاسة الثالثة ومن خلاله الطائفة السنيّة.