Site icon IMLebanon

طارق عزيز لريمون إدّه: أخشى على لبنان إذا تقسّم العراق!

في الرابع من حزيران 2015، وجّه زياد نجل طارق عزيز برقية الى المنظّمات الدولية تحت عنوان (قضية والدي)، يحذّر فيها المجتمع الدولي من مغبّة «قتل» والده في سجن الناصرية في أقاصي العراق، بعدما «ساء وضعه الصحي الى درجة كبيرة». فهو «لا يستطيع السير ويجلس على كرسي نقّال كما شاهدته والدتي (التي زارته يومها). وضعه الصحي بمنتهى السوء… تعيس، مريض، مرهق ومنهار تماماً. وأخشى من أن يحصل له الأسوأ قريباً. يحتاج الى مساعدة طبية والافراج عنه فوراً».

لكن طارق عزيز فارق الحياة بعد يوم واحد من برقية نجله، بعيداً عن عائلته وعن بغداد التي أحبّ، والتي أبعده سجّانوه عنها قبل عام واحد، بعد سقوط مناطق عراقية قريبة من العاصمة، وتخوّف الحكومة من مخاطر سقوط بغداد! لم تنجح المساعي الإقليمية والدولية والمنظّمات الإنسانية، بما فيها وساطة الفاتيكان، بالإفراج عن طارق عزيز، وهو المعتقل قسراً منذ العام 2003، مع احتلال الجيوش الأميركية للعراق.

غاب مهندس الديبلوماسية العراقية في مرحلة صعبة ومميّزة من تاريخ العراق الحديث. انتهى في زنزانة صغيرة بائسة. لم تشفع له أمراضه وكِبَرُ سنّه من ظلم وغلاظة سجّانيه. الكاتب السياسي والمفكر الطليعي والحزبي الملتزم قضايا شعبه وأمته، لم ينجُ من تسلّط أولئك الذين أوصلتهم الدبابات الأميركية الى السلطة، والذين لم ينجحوا الاّ بتفريغ العراق من كل طاقاته وعلمائه ومبدعيه.

في العام 1991، وخلال مناظرة شهيرة له مع وزير الخارجية الأميركية جيمس بايكر في سويسرا، بدا طارق عزيز متفوقاً في منطقه، متحدثاً الإنكليزية بطلاقته المعهودة. لكن ما نفع الديبلوماسية في مواجهة «العصا الغليظة»، ومنطق القوة الأميركي؟ هدّد بايكر بإعادة العراق الى «العصر الحجري» ونجح في تهديداته. الدول الصغيرة تدفع دائماً ثمن إصرارها على السيادة والتحرّر والقرار المستقل.

كان طارق عزيز وجهاً ديبلوماسياً ذائع الصيت في الأوساط العربية والدولية. هدوؤه لافت حتى في أصعب الظروف وأشدّها خطورة. اعلامي بارز ووزير للإعلام قبل «الخارجية». شديد الواقعية في كتاباته، من دون أن يتخلّى عن «أحلامه» وتكريس أوقاته للعمل من أجل نهضة الأمة ووحدتها وتقدّمها وعصرنتها.

«رجل الحنكة السياسية» وصاحب الرؤية المستقبلية، كان يدرك حجم التحديات التي تواجهها الأمة من قبل أعداء أقوياء وشرسين. كان صديقاً لنخبةٍ من السياسيين والقادة اللبنانيين. كان على تنسيق دائم مع القيادي البارز في حزب «البعث» ونائب طرابلس عبد المجيد الرافعي في ما يختص بالأزمة اللبنانية المتفاقمة في ذلك الوقت. كان عزيز يحرص على لقاء ريمون ادّه زمن الحرب اللبنانية حيث كان «العميد» في المنفى الباريسي. كثيراً ما التقيا في منزل المهندس نقولا الفرزلي صديق الرجلين الذي كانت تربطه علاقة سياسية متينة مع ادّه والرئيس صائب سلام الذي كان يعيش يومئذ في منفاه في مدينة جنيف السويسرية ويتردّد الى باريس للقاء «الأصدقاء».

بعد اتفاق الطائف، ازداد عدد السياسيين اللبنانيين في فرنسا، بينهم الرئيس أمين الجميّل والعماد ميشال عون وسواهم. تكرّرت لقاءات عزيز مع العديد منهم أثناء زياراته المتكرّرة الى باريس.

كان ريمون ادّه يُعرب لطارق عزيز عن خشيته من مؤامرة دولية لتقسيم لبنان. الديبلوماسي المطّلع كان يطمئن ادّه الى ان لبنان «بخير» ولن يقسّم برغم كل ما يحاك ضدّه من مؤامرات ومخططات، وان التخوّف على لبنان يصبح مشروعاً اذا تقسّم العراق!

في الذكرى الخامسة عشرة لغياب «ضمير لبنان»، غاب طارق عزيز، والعراق ولبنان يواجهان أقسى الظروف وأسوأ التوقعات.