Site icon IMLebanon

تيمور جنبلاط… «راديكالي» يرث حزباً «تقدمياً»

 

 

46 عاماً من الزعامة الدرزيّة، كانت كافية لوليد جنبلاط حتّى يتنحّى رويداً رويداً من المشهد السياسي؛ «البيك» لن يعتزل السياسة ولن يُهاجر إلى نيويورك، كما وعد قبل سنوات. سيُبقي العين مفتّحة على رحلة تسليم زعامة المختارة بسلاسة إلى تيمور «الراديكالي» الذي يحيط نفسه بـ«دماء شابة» لا يعنيها التوريث السياسي في حزبٍ «تقدمي» ينادي بالعدالة الاجتماعيّة

 

ترؤّس النجل الأكبر لوليد جنبلاط الحزب التقدمي الاشتراكي فكرة وُلدت مع ولادة تيمور عام 1982. مذَّاك، بدأت هواجس «أبو تيمور» حول كيفيّة تسليم الإرث الجنبلاطي لابنه البكر، وبدأ الشاب الذي درس العلوم السياسيّة في الخارج يتحضّر للحظة التي ستُرمى فيها العباءة على كتفَيه.

 

هاجس الاغتيال كان دائماً يقضّ مضجع «البيك». لذلك، حاول دوماً أن يكون جسر عبور كذاك الذي شكّلته «الست نظيرة» لولدها كمال لخلافة فؤاد جنبلاط، وحرص على أن ينال نجله ثقافةً تاريخيّة مُعمّقة فأورثه شغف القراءة و«شرّبه» حِرفة الزعامة، قبل عملية التسلّم والتسليم، وهي الوحيدة «الطبيعية» في تاريخ هذه العائلة المُعمّد بالاغتيالات.

«الشغل» على تيمور استدعى ورشةً حزبيّة بدأت منذ ما بعد عام 2010، فانشغل «وليد بيك» على «شبشبة» الحزب و«قصقصة» أجنحة «الكبار» وإدخال دم جديد إلى المؤسّسات الحزبيّة، ما أدّى – من دون ضجة – إلى تنحي الرعيل القديم وتسلّم العنصر الشبابي الكثير من المواقع القياديّة، حتّى باتت الغلبة لهؤلاء في مجلس القيادة منذ سنوات. ومنذ 3 سنوات، بدأ إدخال العنصر الشبابي إلى مناصب المفوّضين ومديري فروع المناطق وقيادات المؤسسات، على أن تُستكمل الورشة بالمعتمدين في المناطق.

 

وليد جنبلاط الذي عانى من سطوة «رفاق» والده في «الحركة الوطنيّة» قبل أن «ينقضّ» عليهم واحداً تلو آخر ويتفرّد بحمل إرث آل جنبلاط، لا يُريد لنجله مسيرةً مُشابهة، خصوصاً أنّه يدرك أنّ قسماً كبيراً من الرعيل القديم لا يحبذون تسليم تيمور، ولن «يبلعوا» انتقال مجد المختارة وأمجادهم إليه. لذلك، عمل الوالد على تعبيد الأرض أمام نجله، فـ«أنتج» له زعامةً لا يقاسمه فيها طلال إرسلان أو وئام وهاب، وحزباً يُشبهه قادراً على تأمين سهولة العبور، و«رفاقاً» لا يفوقونه كثيراً، عمراً وعلماً وخبرة، قادرين على إعطائه من دون أن يكون مُلزماً بـ«ردّ الجميل».

 

الطريق إلى الحزب

بالتالي، صارت الأرضيّة الحزبيّة مُهيّأة للشاب الطري العود، الذي بدأ منذ نهاية 2013 يجلس على المقاعد الخلفيّة في المختارة لتعلّم «علوم الزعامة»، ويشارك في الاجتماعات الحزبيّة بخفَر. ومُذَّاك، تعلّم كيف يتجذّر في بيئته الاجتماعيّة مجدداً بعد أن عاش بعيداً عنها لفترة طويلة. أربع سنوات كان فيها يَستمع ولا يُشارك، حتّى قيل عنه إنّه انخرط في السياسة عنوةً، وهي صورة مغايرة للواقع على ما يقول محيطون به. هدوؤه وخجله وابتعاده عن الإعلام ساهمت في «تضخّم» الحديث عن الشاب الذي لا يُحب السياسة، ولكنه فعلياً «دخل هذا العالم برضاه، وليس فقط لأنّه قدره ونصيبه».

 

رويداً رويداً، صار زوّار المختارة يسمعون صوته الخافت بعدما أصرّ لسنوات على ألا يخلع كمامته وهو يجلس تحت الخيمة في باحة القصر العلويّة وفي الغرف يستمع إلى مطالبهم، فيما يدوّن «يده اليمنى» ناصر زيدان الملاحظات. وبدلاً من والده، بات يعرف من ينادي ليُتابع القضيّة مع كل وفد: نشأت حسنيّة للقضاء، وائل أبو فاعور وفيصل الصايغ للوظائف والخدمات، وبلال عبدالله للخدمات الخاصة بأهالي إقليم الخروب…

بدأ تيمور يحتكّ مع القواعد الشعبيّة بعدما احترف التّعامل مع «عليّة القوم» من المحيطين بوالده، وصار الاحتكاك أكبر مع المسؤولين الحزبيين الذين يرافقون الوفود الشعبيّة إلى المختارة، حتّى بات يعرفهم عن ظهر قلب. نجح نوعاً ما في التّعامل الشعبي لينتقل بعدها مباشرةً إلى المجلس النيابي عام 2018، إلا أنّ الانخراط في الحزب التقدمي الاشتراكي بقي محدوداً، وأكثر المشاركات ظهوراً كانت عبر نشاطات «منظّمة الشباب التقدمي».

الوصول إلى الرئاسة

لم يتسلّق تيمور الحزب درجةً درجة، بل تسلّم مباشرةً رئاسته قبل أسابيع. هو ووالده رفضا «عمليّات الديمقراطية الشكلية»، التي اقترحها بعض الحزبيين المقرّبين من المختارة بإمكانيّة أن يترشّح أحد الأشخاص في مواجهة تيمور، أو أن يرئس الحزب «اشتراكي» يمتلك خبرة حزبيّة، ريثما يكون «عظم» الشاب قد قَويَ، إلا أن الأب والابن رفضا «تمثيليّات التحايل»، كما أصرّ الكثير من القياديين الحزبيين على أن تؤول الرئاسة إلى تيمور باعتباره «صاحب الشرعيّة التمثيليّة». هؤلاء يؤكدون أنهم «منسجمون مع أنفسهم»، من دون أن يعنيهم نقد التوريث السياسي في حزبٍ ينادي بالعدالة الاجتماعيّة، إذ يقر هؤلاء بأنّ تسلّم أي حزبي آخر الرئاسة يعني حتماً أنّ يُسيطر آل جنبلاط على القرارات في نهاية الأمر.

كلّ ذلك، أدّى إلى عمليّة تسليم «سلسة» للحزب من الأب إلى الابن، وصار الحزب يتشبّه أكثر فأكثر بصورة رئيسه الجديد الذي منذ تسلّمه الرئاسة بدأ بوضع قواعده الخاصة وبصماته؛ من دون أن يستفزّ رعيل والده. فأكّد في الاجتماع الأوّل أنّ «تسلّم الشباب والشابّات مقاليد الحكم لا يعني أبداً أن الرعيل القديم لا يصلح للعمل الحزبي». وهو، وفق المقربين، كما أصر على أن يكون «الجيل القديم» فريقاً مساعداً، ينوي أيضاً «كسر» الزعامات الحزبيّة التي باتت تنمو حوله وتصوّر نفسها أنّها الأقرب إليه وتستمدّ نفوذها منه. ولذلك، كان حريصاً بالإشارة خلال الاجتماع الأوّل أيضاً على التأكيد أن لا شخصيّات مميّزة داخل فريق عمله، بل «أريد التعامل مع كل شخص بحسب الملف الذي يتسلمه».

هكذا، يُحاول تيمور أن يُظهّر الآليات التنظيميّة على حساب العواطف، من دون أن يترك «الاستثناءات» إلا لوالده. القرب والبعد عن تيمور لا يعنيان له شيئاً، إذ سيبقى «وليد بيك» هو بوابته السياسية إلى العالم الخارجي، من دون أن يترك لأيٍّ كان أن يعبر منها. ولذلك، فهو يتمسّك مثلاً بالقطيعة التي ورثها عن والده مع دمشق، وبرفضه القطيعة مع الأحزاب اللبنانيّة بغضّ النظر عن اختلافه السياسي معها.

 

«البيك الجديد» متمسك بالقطيعة مع دمشق… ولا لسليمان فرنجيّة ولو رجّحت الدول العربيّة والأجنبيّة كفّته

 

 

أمّا حزبياً، فيبدو أنّ «رحلة المراقبة» التي مشاها الرئيس الجديد على مدى السنوات الماضية، أثمرت؛ إذ إنّه يعرف خبايا الحزب وقيادييه وملمّ بالتفاصيل، ما يعطيه القدرة على الحسم في الأمور الحزبيّة بغضّ النظر عن آراء المحيطين به، تماماً كقدرته على «لم» كتلته النيابيّة التي لا «تُنجب» المواقف المتمايزة أصلاً.

 

على مر سنوات، كان ظل تيمور يكبر على حساب نجم والده الذي قرّر أن يُعطي نجله أكبر قدر ممكن من هامش الحريّة حتّى يتمدّد نفوذه في العائلة والحزب. هو الذي يُدرك تماماً أنّ الابن يُريد ممارسة السياسة على طريقته، ويُردّد أن الطريقة التقليديّة أنتجت أزمات سياسيّة كالتي نعيشها.

ولذلك، كان الملف الرئاسي واحدةً من القضايا الشائكة في المختارة. نجح جنبلاط الأب أن يُبقي على دوره كمُرشد أعلى من دون التدخّل المباشر، ليشير المقربون منه إلى أنّه لن يتدخّل إلا في حال ارتُكبت «الخطايا»، فيما لا يُمكن معرفة ما إذا كان جنبلاط الابن سينجح في خياراته. عليه، فإنّ المواقف المتباينة بعض الشيء في الملف الرئاسي كانت تحدياً. «تيمور سيبقى رافضاً للتسوية، وهو وكتلته سيصوّتان ضدّ سليمان فرنجيّة حتّى لو أجمعت الدول العربية والأجنبيّة على انتخابه»، بحسب ما يقول اللصيقون به، تأكيداً على اختلاف المسار والمصير بين الأب والابن.

كلّ هذا أنتج نقاشات بين شخصيّات الدائرة اللصيقة بالمختارة عمّا إذا كانت رؤية الشاب الآتي من الخارج قد تُفلح. «الراديكالي» في رفضه إدارة اللعبة السياسية بالطريقة التقليديّة والذي يكره التسويات، سيكون زعيماً في بلدٍ يعيش على تسويات اللاغالب واللامغلوب، وسيرث من والده تاريخاً يختزن «كومة» من عمليّات تدوير الزوايا والحسابات السياسيّة بالعودة من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال.

بتيمور، يلعب هؤلاء «صولد» على حافة الهاوية. إنّها «رهانات» على ما إذا كان الشاب قادراً على إحياء الحزب من جديد عبر استقطاب الفئات الشابة، وعمّا إذا كان قادراً على البقاء مقيماً في «راديكاليته»، أم أنّه سينغمس عاجلاً أو آجلاً في «وحل» السياسة الدّاخلية.

«إنجاز» القيادة

التوريث السياسي داخل الحزب التقدمي الاشتراكي صار عُرفاً؛ من كمال إلى وليد وصولاً إلى تيمور. لا يُنغّص هذا «فرحة» القياديين في الحزب بمجلس القيادة الجديد باعتبار أن التعويض كان بانتخاب مجلس قيادي معظمه من الشباب وحافظ على مبدأ المناصفة بين النساء والرجال، وتعيين حبّوبة عون نائبة الرئيس. منصب ابنة المشرف لم تنله جائزة ترضية عن خسارتها الحتميّة في الانتخابات النيابيّة، بل أرادها الحزب «نموذجاً للمرأة ذات الكفاءة التي تحمل الشهادة والخبرة الأكاديميّة بيد والخدمات الاجتماعيّة بيدٍ ثانية»، على حد قول بعض الحزبيين، مشيرين إلى أن تجربة الابنة البكر لـ«أبو إسكندر» «عُمّمت داخل مجلس القيادة الجديد مع اختيار أصحاب الكفاءات والشهادات».

لا ينكر القياديون في «الاشتراكي» أنّ مجلس القيادة الجديد أنتج بعض «الحرد» لدى «عدد قليل» من الشخصيات الحزبيّة التقليديّة بعد استبعادها، وأثار «انتقادات» في بعض المناطق، خصوصاً في إقليم الخروب بعدما انخفض عدد الحزبيين السُّنة المنتخبين من 3 من الإقليم ورابعة من الشمال إلى واحد سني من الإقليم هو محمد بصبوص. لكنهم يعتبرون المجلس الجديد «إنجازاً»، لافتين إلى أنّه «ليس مجلساً مناطقياً، بقدر ما هو مجلس تمثيلي تمّ فيه توسيع آليات الترشيح لتشمل أصحاب المسؤوليات المتوسطة داخل المؤسسات الحزبية (كمنظمة الشباب التقدمي والاتحاد النسائي التقدمي وكشافة التقدمي…) من أجل توسيع مجلس القيادة وتجديد دمه».