Site icon IMLebanon

إحالة «أحداث الطيونة» إلى المجلس العدلي قد تكون مخرجاً لمكابرة نصر الله!

 

«حزب الله» لن يترك وسيلة لمحاصرة جعجع… وعينه على محقّق عدلي يكون طارق بيطار ثانياً

 

باتت لعبة شد الحبال وعض الأصابع على ساعة التفاوض الإيراني- الأميركي مكلفة لبنانياً. دخل عليها التحقيق العدلي في جريمة تفجير المرفأ ليشكل عاملاً ضاغطاً على الواقع السياسي الداخلي، وزادت «غزوة عين الرمانة» المشهد تعقيداً. تحوَّل المحقق العدلي طارق البيطار عنواناً للمواجهة في مرحلة تجميع النقاط والأوراق.رفع الأمين العام حسن نصرالله سيفه مطالباً بتنحية البيطار إما عن طريق مجلس القضاء الأعلى وإلا فمجلس الوزراء. وضع في البدء معادلة: «الحكومة مقابل البيطار»، ثم عدّل مسارها لتصبح «الخروج من شلل الحكومة مقابل البيطار». يمكن للمراقب أن يدرج ذلك في إطار التراجع خطوة، ولاسيما أن حكومة نجيب ميقاتي خرجت من رحم التحالف القائم بين الحزب ورئيس الجمهورية، وهي في نهاية الأمر ليست في موقع الخصومة مع مشروعه الاستراتيجي ولا تحمل لواء مناهضته، وستكون بالتالي استقالة «الثنائي الشيعي» كمن يطلق النار على رجله.

 

وقع «حزب الله» في شرك مكابرته السياسة، ولاسيما بعدما تبين له أنه ليس من صلاحيات الحكومة إزاحة المحقق العدلي، جاءت أحداث الخميس لتصعّب عليه أمر التراجع عن رهن انعقاد مجلس الوزراء بحل قضية البيطار، هو ببساطة يؤكد لمرة جديدة أن إقلاع عمل المؤسسات الدستورية وتعطيله بيده. ستدور الحكومة في حلقة مفرغة لوقت ليس بقصير، وإن كان ثمة من يعتبر أن اتفاقاً جرى على أن يتم تعويض اجتماع الحكومة باستمرار رئيسها بعقد اجتماعات عمل مصغرة مع الوزراء وعمل كل وزير على حده في وزارته حتى إشعار آخر. وإذا كانت مهمة الحكومة الرئيسية التفاوض مع صندوق النقد الدولي للوصول إلى اتّفاق على خطة دعم مالي، فإن هذه المسألة تبقى منفصلة عن قرار شل الحكومة، لاسيما أن رئيس الجمهورية فوّض وفداً «بالتفاوض مع الصندوق، قبل نشوء الازمة داخل مجلس الوزراء التي كادت أن تُفجره.

 

حارة حريك لملاحقة التحقيق بأدق تفاصيله وتأكيد نظرية الكمين والرصاصة الأولى

 

حاول رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط العمل على خطي رئيسي مجلس النواب والحكومة لإخراج مجلس الوزراء من حلقة المراوحة والعودة إلى استئناف اجتماعاته. بدت علامات الارتباك واضحة عليه في تصريحه الأخير من عين التينة الذي ذهب فيه إلى اتهام بعض الجهات العربية بالتصعيد وعودته في اليوم التالي من منزل ميقاتي إلى اعتبار ما قاله هفوة.

 

هو يعي خطورة المرحلة المليئة بالتحديات الداخلية على وقع التحولات الدولية والإقليمية. في الأساس، يعتريه هاجس الانهيار المالي والاقتصادي في البلاد الذي ينعكس بحدة على المستوى المعيشي والحياتي للبنانيين. الأرقام تتحدث عن ملامسة الفقر 75 في المئة من اللبنانيين، والآتي أعظم في ظل تحضيرات حكومة ميقاتي للخروج المتتالي من سياسة الدعم التي انتهجتها حكومة حسان دياب لتمويل تحالف المافيا- المليشيا الذي قضى على احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة ويشكل استنزافاً لما تبقى من الاحتياطي الالزامي ما عاد ممكناً الاستمرار به حتى ولو أرادت القوى الحاكمة مواصلة الضغط على حاكم البنك المركزي.

 

لم تفد المعلومات بأي حلحلة على مستوى عزل عمل الحكومة عن «الكباش» الدائر حول المحقق العدلي، ولاسيما أن «حزب الله» يدرج ما يقوم به البيطار في إطار استهدافه من قبل الأميركيين ومعهم السعوديون ومن يتحالف معهم في الداخل. فقبل أحداث الطيونة، كان التقييم السياسي في مجالس «حزب الله» أنه نجح في تفتيت جبهة 14 آذار، بحيث خرج أولاً جنبلاط إلى الموقع الوسطي، وذهب زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري إلى ربط نزاع مع الحزب الذي رعى التسوية الرئاسية عام 2016 .

 

في قراءة «حزب الله» أنه استطاع تطويع القوتين السياسيتين السنية والدرزية، وهو متحالف مع «التيار العوني» الذي اشتغل على تكبير حجمه وتقديمه على أنه القوة المسيحية الأكبر التي تمثل أكثر من 70 في المئة من المسيحيين. كان الهدف دائما هو «القوات اللبنانية» التي ما توقف ينظر إليها بحذر على أنها حليف صلب للأميركيين وللسعوديين وليس سهلاً تطويعهاً كما حصل مع الاشتراكي والمستقبل بعد «غزوتي بيروت والجبل».

 

رغم أن أحداث خلدة مع العشائر العربية أوقعت ضحايا بين قتلى وجرحى في صفوف مناصري الحزب، إلا أنه لم يذهب إلى الحد الذي ذهب إليه بعد أحداث الطيونة.

 

لم يترك نصرالله خطوط رجعة مع «القوات» وكأنه يقطع الطريق على ما يمكن أن تلعبه من دور مستقبلي مع توقّع أن تكون الكتلة المسيحية الأكبر والأكثر وزناً في الانتخابات النيابية المقبلة والتي من غير الواضح ما سيكون وزن «التيار الباسيلي» الذي انتقلت إليه الزعامة بعدما جيّر عون إرثه السياسي إلى باسيل مُحدثاً حالة من التفسخ في عداد العونيين.

 

مأزق نصرالله أن مواجهة جعجع سياسياً عبر الانتخابات النيابية ليست مضمونة ولا محققة، وسياسة الترهيب لا تستقيم كثيراً مع الرجل لاعتبارات عدة وأولها الاعتبار الجغرافي، فيما الظرف الراهن مغاير لذلك في العام 1994 الذي أدى إلى تركيب ملف تفجير سيدة النجاة، لكن ذلك لا يعني أن الحزب سيستسلم بسهولة، لا بل إن قرار محاصرة الرجل قد اتخذ. وسيتم اللجوء إلى كل الوسائل لتحقيق هذا المسار، وفي مقدمها ملاحقة التحقيق في أحداث الخميس بأدق التفاصيل والبحث من خلاله على تأكيد لـ«نظرية الكمين» التي يتبناها الحزب وبأن الرصاصة الأولى أطلقتها عناصر قواتية عن سابق تخطيط. ولعل ما تسَّرب أمس من أن المحكمة العسكرية ستستدعي جعجع للاستماع إلى إفادته في ضوء ما أدلى به موقوفون هي نموذج عن الضغوط التي سيتعرض لها.

 

يقول لصيقون بـ«حزب الله» بأن مسار الدعاوى في وجه «القوات» سيستمر، وستكون هناك هيئة محامين تتابع هذا الملف، وستصبح هناك لجنة أهالي شهداء أحداث الطيونة كما لجنة شهداء تفجير المرفأ، لا بل يسر هؤلاء أن الحزب يريد تحويل أحداث الطيونة إلى المجلس العدلي، وتعيين محقق عدلي يُرسم له دور مقابل للمحقق طارق البيطار. إنه نوع من الهذيان السياسي يشي بحجم التأزم الذي يعاني منه الحزب وأمينه العام وكأن ما يمتلكه من قوة وفائض قوة غير قابلين للصرف، بعدما بات غالبية اللبنانيين في القعر لا يمتلكون شيئاً ليخسروه، ويحملّون مسؤولية الحال التي وصلوا له ولسلاحه وللهيمنة الإيرانية التي يدفعون هم ثمنها.

 

على أن تحويل أحداث الطيونة إلى المجلس العدلي تحتاج إلى انعقاد مجلس الوزراء ما يطرح السؤال عما إذا كانت ستكون ثمن عودته إلى حيز العمل من جديد ومخرجاً لـ«الثنائي الشيعي»؟!