يلاحظ ان هناك تشابهاً في ازدواجية التعاطي الاميركي مع لبنان وسوريا، مع الفارق في اوضاع كل بلد منهما، والتعقيدات التي تحيط بالمشاكل والازمات المتعددة الجوانب فيهما.
فالادارة الاميركية التي رعت اتفاق وقف الاعمال العدائية بين حزب الله واسرائيل، نهاية شهر تشرين الثاني الماضي، ودعمت انتخاب العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، وتأليف حكومة الرئيس نواف سلام، واعلنت مرارا، انها تؤيد قيام دولة قوية، وتساعد في حل الازمات المالية والاقتصادية، وتقوية الجيس اللبناني، ماتزال تربط كل هذه الوعود بنزع سلاح حزب الله، وفي الوقت نفسه تتغاضى عن استمرار الاحتلال الاسرائيلي للتلال الاستراتيجية جنوباً، والخروقات الاسرائيلية المتواصلة لتنفيذ القرار١٧٠١، وقيام اسرائيل بشن ضربات ضد حزب الله، واعتداءات متواصلة على الاراضي اللبنانية، بحجة وجود مراكز ومستودعات اسلحة لحزب الله، ومنع اي محاولة لاعادة اعمار ما هدمته الحرب الاسرائيلية ضد الحزب، ولاسيما في الجنوب.
هذا التعاطي الاميركي الملتبس، بتأييد قيام مشروع الدولة في العهد الجديد، وفي الوقت نفسه ترك الحرية لاسرائيل بممارساتها واعتداءاتها عليه، يعيق انطلاقة الدولة اللبنانية عموما، ويضع العراقيل والمطبات في طريقها، ويبقي لبنان بلداً عاجزاً عن النهوض والتعافي، ومؤسسات الدولة غير قادرة على ممارسة مهماتها وبسط سلطة الدولة على كل اراضيها.
التعاطي الاميركي ذاته، يشمل سوريا ايضا، اذ بعدما دعمت واشنطن الادارة الجديدة برئاسة احمد الشرع والتقاه الرئيس دونالد ترامب بالسعودية مؤخراً، برعاية سعودية، وتم رفع العقوبات الاميركية المفروضة على سوريا منذ ولاية الرئيس السابق بشار الاسد، تغاضت الادارة الاميركية عن الضربات الجوية التي شنتها اسرائيل مؤخراً،ضد وزارة الدفاع السورية وعلى تخوم القصر الجمهوري في العاصمة السورية، بحجة الدفاع عن الدروز الذين يشتبكون مع البدو والجيش السوري في السويداء بجنوب سوريا، وإرغام قوات الجيش السوري على الانسحاب من هذه المناطق.
وبدلاً من أن تبذل واشنطن جهودها لتذليل كل الصعاب وعلى الاخص الضغط لانسحاب القوات الاسرائيلية من الجنوب اللبناني، لاعطاء الحكومة اللبنانية قوة الدفع اللازمة لتقوية الدولة بكل مؤسساتها وقواها الامنية والعسكرية، تترك اسرائيل لتتحرك بدون ضوابط، وتعرقل كل محاولات اعادة النهوض بالدولة عموما.
والامر نفسه، ينطبق حالياً على الادارة السورية الجديدة بسوريا، لاسيما بعد البرودة الاميركية الواضحة، تجاه الضربات العسكرية الاسرائيلية في قلب دمشق، بمواجهة التطورات العسكرية والامنية جنوب سوريا، ما يطرح سؤالا جوهريا، وهو هل تريد واشنطن ابقاء لبنان وسوريا، غير قادرتين على النهوض من جديد، لمصلحة اسرائيل، ولعل الاجابة تكون بتصرفات وممارسات الادارة الاميركية في الايام المقبلة.
