Site icon IMLebanon

«الانفتاح العربيّ» على سوريا: لبنان شريك في الخسائر والربح

 

أياً كانت حدوده المرسومة، فإن أيّ «انفتاح عربي» على سوريا لن تقتصر تأثيراته ومنافعه، السياسية والاقتصادية على سوريا وحدها، فالمنطقة، بل أيضاً على الدول المجاورة لها. لكن، تبقى للبنان أهميّة خاصة بحكم موقعه الجغرافي بالنسبة إلى سوريا ما يجعله شريكاً في حسابات المنافع، كما كان شريكاً في الخسائر

 

منذ اللحظات الأولى لقرار مقاطعة دمشق سياسياً واقتصادياً، قبل عشر سنوات، كان واضحاً أن المتضرر منه لن تكون سوريا وحدها، بل غالبية دول المنطقة، تحديداً تلك المجاورة لها. وهذا ما أكّدته تقديرات الخسائر الوطنية لبعض هذه الدول، والناجمة أساساً عن توقف حركة التجارة الإقليمية وزعزعة مناخ الاستثمار عموماً. لذلك، فإن الحديث عن انفتاح عربي مرتقب على سوريا، أياً كانت حدوده المرسومة أو المسموح بها، ستنعكس آثاره الإيجابية على دول الإقليم بنسب متفاوتة، تبعاً لعوامل مرتبطة بالتموضع الميداني لبعض الدول على الأراضي السورية، والغايات المراد تحقيقها من ذلك الانفتاح. فعلى سبيل المثال، ما سيحصل عليه الأردن اقتصادياً مختلف عما سيحصل عليه العراق، وكذلك الحال بالنسبة إلى دول الخليج العربية. لكن ماذا عن لبنان الذي تربطه بسوريا علاقة اقتصادية خاصة يفرضها الموقع الجغرافي، في ظل ما يعانيه حالياً من أزمة سياسية واقتصادية عميقة؟

 

تنحو التوقّعات إلى أن أي تغيّر إيجابي في منحى العلاقات العربية – السورية سينعكس إيجاباً على الوضع اللبناني، من خلال تعاون الدول المؤثّرة إقليمياً لتقريب وجهات نظر الأطراف اللبنانية، ودفعها الى إيجاد مخرج للأزمة السياسية. وربما تكون الجهود الدولية – العربية المستمرة منذ حوالى شهرين لحلّ مشكلة قطاع الطاقة في لبنان إحدى الركائز التي يمكن البناء عليها، بغية استعادة لبنان بعضاً من استقراره السياسي والاقتصادي.

في المقابل، ثمّة من يرى أن من المبكّر الحديث عن انعكاسات قريبة على الوضع اللبناني لاعتبارات عدة، إذ إن «المؤشّرات السياسية تشير إلى أمرين: الأول هو أن الانفتاح العربي على سوريا مجرّد بوّابة إنسانية وليس تطبيعاً للعلاقات، وهذا سيتيح انفراجاً في الوضع اللبناني ضمن حدّ لا يتجاوز أساسيات العيش كالطاقة والغذاء. والثاني يتعلّق بهوامش الصراع في سورياـ، إذ إن الرياض، مثلاً، تضع شرطاً استراتيجياً يتعلق بحزب الله للمساهمة في إنعاش الاقتصاد اللبناني، وهذا الشرط يتطلّب تغيير البنية السياسية اللبنانية جذرياً، وهو ما ليس مرهوناً بسوريا فقط، ولا بانفراج علاقات دمشق مع الدول العربية، بل يرتبط بالأمن الإقليمي، وبالتحالفات القائمة مع إيران أو غيرها من دول المنطقة»، بحسب الكاتب السياسي السوري مازن بلال، لافتاً إلى أن «الانفتاح العربي الجزئي على دمشق، قابلته أزمة حادّة بين لبنان ودول الخليج؛ ما يؤشّر إلى أن التفكير العربي والخليجي على وجه الخصوص، يسعى لفصل العلاقة الاقتصادية عن السياسية، ويذهب نحو تحييد سوريا ما أمكن عن أزمات لبنان الاقتصادية والسياسية».

 

%44 من المشروعات الاستثمارية العربية في سوريا تعود إلى مستثمرين لبنانيين

 

ولكن، أياً كانت طبيعة التأثيرات السياسية المتوقّعة على لبنان، جرّاء «تطبيع» بعض الدول العربية لعلاقاتها السياسية مع دمشق، فإن ذلك لن يحول دون تحوّلات اقتصادية متباينة المستوى والحجم في العلاقات الاقتصادية بين دمشق وبيروت من جهة، وبين بيروت وعدد من العواصم العربية من جهة أخرى، ولا سيما لجهة إعادة تفعيل تجارة «الترانزيت» وزيادة معدّلات التبادل التجاري بين دول المنطقة، وتسهيل حركة تنقّل الأفراد والبضائع، بما يُسهم في تنشيط القطاعات السياحية والخدمية. لكن ذلك لا يزال مجرّد توقّعات في انتظار ما ستؤول إليه الأزمة الحالية بين لبنان ودول الخليج، وإجراءات تسهيل الحركة التجارية على الأقل بالنسبة إلى ملف تجارة «الترانزيت». ويؤكد رئيس «اتحاد شركات شحن البضائع الدولي» في سوريا، صالح كيشور، أن «دمشق قدّمت كل التسهيلات الممكنة لتذليل ما يعيق انسياب حركة السيارات الشاحنة والبضائع مع كل من الأردن ولبنان على أمل المعاملة بالمثل، لكن لم تتّضح بعد نوايا الطرف الآخر»، لافتاً إلى أن عدد الشاحنات المتّجهة يومياً من لبنان إلى الأردن ودول الخليج كانت «تناهز الـ 400 قبل الأزمة الأخيرة بين لبنان وبعض دول الخليج، وتراجع عددها اليوم بنسبة 62% إلى نحو 150 شاحنة».

على مستوى العلاقات الاقتصادية بين دمشق وبيروت، هناك ملفّان أساسيان يمكن أن يتأثّرا بالانفتاح العربي على سوريا: الملف الاستثماري، إذ يُتوقّع أن يدفع دخول شركات استثمارية عربية إلى السوق السورية المستثمرين اللبنانيين إلى فتح أو زيادة مجالات عملهم في سوريا. وتُظهر البيانات الرسمية لـ«هيئة الاستثمار السورية» أن 44% من المشروعات الاستثمارية العربية المشمولة بموجب قوانين الاستثمار خلال سنوات الأزمة، تعود إلى شركات ومستثمرين لبنانيين. وبالتالي، فإنّ فرصة زيادة الاستثمارات اللبنانية، ودخولها في شراكات عربية، تبدو قائمة إذا ما أحسنت الحكومة السورية تأمين ما يحتاجه إليه المستثمرون من ضمانات وتسهيلات وخدمات، ولا سيما في ظلّ استمرار الأزمة الاقتصادية في لبنان.

أما الملف الآخر فيتعلّق بالتبادل التجاري بين البلدين اللذين يواجهان تحدّيات اقتصادية خطيرة. فسوريا تأمل أن يؤدّي التحسّن في العلاقات الاقتصادية مع المحيط العربي إلى «إقلاع» مشروعات عدّة تحت بند إعادة الإعمار، ما سيكون له أثره على التجارة الخارجية السورية، ليس مع لبنان فقط، وإنما مع دول عدّة. وبالتالي، فإنّ إمكانية تحسّن قيمة المبادلات التجارية بين البلدين، والتي لم تتجاوز العام الماضي أكثر من 11% من إجمالي قيمة المبادلات التجارية السورية مع الدول العربية، تبدو متاحة، إذ إن «الانفتاح العربي على سوريا اليوم، يساعد على تطوير بيئة مستقرّة لإنعاش الاقتصاد في سوريا، كما يُمكّن لبنان من التعامل مع أهم دعائم الاقتصاد السوري، المتمثّل بقطاع الخدمات. ومن هذا المنطلق، فإن العلاقات السورية – العربية الطبيعية، تعكس في النهاية حالة من الاستقرار، تشجّع على تدفّق التجارة والاستثمارات، وتحرّك القطاعات السياحية» وفق ما يؤكّد بلال.