ليست بريئة حتماً تلك الحملة التي تشن على الجيش وقائده بحجة أنه يطمح للوصول الى كرسي بعبدا على غرار أربعة من نظرائه شغلوها منذ الاستقلال، والنتيجة كما تعلمون… ظاهرة للعيان.
والواضح ان المتحاملين ليسوا من أنصار الديموقراطية والحكم المدني ورفض تحكم الأجهزة بالناس، بل يشنون حملاتهم خدمة لمصالح لا علاقة لها بالأصول الدستورية في دولة برلمانية، ولا بتكريس تداول مدني للسلطة كما في الدول المتحضرة.
والواقع ان الجيش الذي يقوم بمهماته على نحو حِرفي جيّد نتيجة التسليح الغربي الحديث واحتضانه من كل اللبنانيين التواقين الى دولة سيدة وجيش قوي، يتعرض منذ استعاد وحدته إثر اتفاق الطائف لنهج استضعاف يهدف دائماً الى ابقائه مستتبعاً، ليس لسلطة سياسية منتخبة بحرية حسب الدستور، لكن لوصاية، كانت سوريّة ثم صارت ايرانية بغطاء محلي.
رغم ما تقدم حافظت المؤسسة العسكرية على وحدة استثنائية ومرّت في اختبارات صعبة خصوصاً بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاه من انقسام بين 8 و 14 آذار. لكن هذا الجهد الدائب لتحقيق أهداف وطنية يتوافق عليها أهل السلطة، على تناقضاتهم، لا يزال يتعرض للطعن تارة عبر تأكيد المسؤولين السياسيين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية بأن الجيش غير جاهز ولا نزال نحتاج جيشاً رديفاً هو سلاح “حزب الله” بالتحديد، لأن حربنا مع اسرائيل اذا حصلت ستكون “حرب عصابات”! وطوراً عبر تأجيل “استراتيجية الدفاع” الى ما بعد تحرير فلسطين وتغييب القرار السياسي وتحميل مسؤولية انفلات المعابر عند الحدود الشرقية للجيش، علماً بأن مسؤولية وزير الدفاع توفير الغطاء الجدي للمؤسسة، وعدم التأثر بولائه لتيار سياسي وولاء رئيس التيار لـ “محور الممانعة” طمعاً في المكاسب والإستقواء وصولاً الى التوريث المشين.
كان يقال ان الجيش هو الصامت الأكبر. وهو صامت اليوم على مضض وغصة. لكن ذلك لا يعني التطاول عليه لشل فاعلية قائده تحت ذريعة انه مرشح لرئاسة البلاد ويحظى بالتقدير في واشنطن والرياض على السواء. فهو لم يوحِ مطلقاً بأنه مرشح ولا سلوكه يشي بالرغبة. وإن افترضنا انه يضمر هذا الترشيح، فالمنافسة يجب ان تبقى ضمن الأصول والأخلاق ولا تعني تشويه صورة المنافسين والانقضاض بالتجريح والتشويش على مؤسسة يكمن في تماسكها ودورها خلاص اللبنانيين.
حبذا لو نصل الى يوم لا يسعى فيه ضابط للوصول الى الرئاسة، فهذا الطموح صار جموحاً دفعنا ثمنه الغالي والرخيص. وتجارب القادة الذين صاروا رؤساء مخيبة باستثناء العهد الشهابي، وعلى نحو جزئي.
تحييد المؤسسة العسكرية يجب ان يبقى اولوية الحاكمين. ومنحها الغطاء السياسي واجب الوزير والحكومة والرئيس. فسلاحها هو الشرعي الوحيد الذي يجب ان نعمل ليسود في داخل البلاد وعلى الحدود في وجه الارهاب والأعداء والطامعين.