Site icon IMLebanon

التيار وظّف ضغط الحاجة والوقت من أجل إدخال تحسينات وإصلاحات في موازنة 2019

 

كسانحة لفتح النقاش المحرّم في وجوب تغيير النموذج الاقتصادي

 

 

أحد أبواب الإنقاذ الراهنة يتمثل في ضبط الإنفاق الهائل في بعض الوزارات والإدارات على مشاريع فارغة وجمعيات وهمية وتوظيفات عشوائية

أظهرت النقاشات الوزارية والنيابية في صلب الموازنة الحاجة القصوى الى إعادة النظر في مجمل النموذج الاقتصادي، الريعي بغالبيته، القائم منذ التسعينات. فالاقتصاد الخدميّ القائم على تحويلات المغتربين الى جانب بعض المداخيل من القطاع السياحي، المرتبط أساسا بالإستقرار السياسي والأمني والإجتماعي، إنتهى الى فشل ذريع. لكن هذا الفشل لم يُترجم فقط دينا عاما قارب الـ١٠٠ مليار دولار وإقتصادا موبوءا وقاصرا عن القيام بمجتمع، بل الأخطر أنه قضى على القطاعات الإنتاجية (صناعية وزراعية)، وعثّر عن قصد تزخيم إقتصاد المعرفة أو الاقتصاد الرقمي، عن طريق خنقه بداية مع وضع اليد على قطاع الاتصالات والمعلوماتية في ظل سياسة رعاها أحد الأقطاب السياسيين (المتقاعد راهنا) قامت على إجهاض أي محاولة لتطوير البنى التحتية، حتى لو إضطر الأمر الى هدر ملايين الدولارات وتخريب قطاع الاتصالات بمجمله، لقاء منع الإنتقال الى هذا النوع من الإقتصاد الخلاق الذي يشكّل عصب إقتصادات دول متطورة ونامية على حد سواء. يكفي أن يُعرف أن ٢٥٪ من الوظائف الجديدة في أوروبا يُنتجها حكما وحصرا الاقتصاد المعرفي، وأن زيادة ١٠٪ في الإختراق على مستوى الحزمة العريضة يؤدي تلقائيا الى رفع الناتج المحلي ١٪، لإدراك الخسائر الهائلة وما فُوّت على لبنان من فرص على إمتداد الأعوام العشرة الفائتة، وتحديدا منذ العام ٢٠٠٩.

 

لا يُخفى أن «التيار الوطني الحر» وجد في مناقشات الموازنة نافذةً لإطلاق نقاش، ظل محرما وتأخر أعواما طوال، في وجوب البحث عن بديل للإقتصاد الريعي الذي يقبض على الجمهورية وأنفاسها الأخيرة، وفرصةً لإدخال بعض الإصلاحات والتحديثات في النموذج القائم، ثمة قناعة بإستحالة إدخالها أو تبنيها في الظروف العادة. لذا كان محتّما توظيف النقاش في الموازنة، وربما ضغط الحاجة والوقت، لإجبار اطراف سياسية الى تبني هذه الإصلاحات في صلب مشروع موازنة سنة 2019. فالقضية ليست فقط تجميع أموال وتركيب أرقام وتظهير عجز قليل، إنما هي في الأساس تغيير النموذج الاقتصادي لا فقط الإكتفاء بما يسمى بالـuplifting أو الترقية التجميلية.

 

ولأن البحث عن بديل يحتاج الى إفراد مساحة واسعة من الوقت للنقاش والتمحيص والإستخلاص والحوار الوطني، لا بد من فترة إنتقالية يُزج زجرا ما يمكن من إصلاحات وتحديثات تؤدي الى تحوير إيجابي في النمط القائم، في إنتظار توافر الفرصة المؤاتية لتحقيق النموذج الاقتصادي المُرتجى.

 

ولا يخفى كذلك أن أحد الأبواب الإنقاذية الراهنة يمثّل في ضبط الإنفاق الهائل في بعض الوزارات والإدارات على مشاريع فارغة وجمعيات وهمية وتوظيفات زبائنية عشوائية، من مثل ما حصل أو يحصل في وزارتي الاتصالات والشؤون الاجتماعية. لذا كان الإصرار في مجلس الوزراء على تصغير موازنة الشؤون بدلا من تكبيرها كما اقتراح الوزير المعني، وهي مفارقة لا سيما اذا صدقت المعلومات عن إلغاء عقود تمويل مع كثير من الجمعيات الوهمية وتقليص موازنات جمعيات أخرى كانت منتفخة بفعل إرتباطها بجهات سياسية رفيعة. كما كان الإصرار كذلك على وضع رؤية علمية بدل التخبط الحاصل في قطاع الاتصالات من مجرّد حصّالة نقود وقطاع محاسبيّ الى منصة ناهضة للإقتصاد على غرار تجارب دول حاضرة وماثلة في الذهن، الى جانب ضرورة تغيير الأداء الإداري في وزارة الاتصالات بما يؤدي الى التحقيق، على سبيل المثال، في ما يحصل في هيئة أوجيرو من توظيف وتلزيم، وفي السبب الحقيقي لتراجع تحويلات شركة تاتش، الى الخزينة (الموازنة الملحقة في وزارة الاتصالات) أكثر من ١٥٠ مليون دولار في العام ٢٠١٨، بما يتنافى والنمو في القطاع وكذلك نمط تلك التحويلات في الأعوام ٢٠١٥ و٢٠١٦ و٢٠١٧.

 

ومن السذاجة بمكان إرجاع هذا الخفض الى تراجع إستهلاك خدمات الصوت لمصلحة تطبيقات التخابر عبر بروتوكول الإنترنت. فالتراجع هائل ويشكل نحو ١٠٪ من مجمل واردات قطاع الخلوي. وتحتاج لجنة الاتصالات النيابية الى الغوص عميقا في خفايا قطاع الاتصالات لا الإكتفاء بالظاهر منه. فما أعلنته اللجنة أخيرا يشكّل جزءا بسيطا من المخفي من جبل جليد الهدر.