Site icon IMLebanon

المفاوضات قبل القرارات… الحكوميّة

 

الخطة الاقتصادية المالية أساس التعامل مع الدائنين

 

“لبنان قرّر الامتناع عن تسديد مستحقّات سندات اليوروبوندز التي تبلغ 30 مليار دولار لغاية العام 2035″… هذا ما أعلنته الحكومة صراحة كما جاء على لسان وزارة الماليّة. بذلك، لم تعد المسألة قضية عدم الإيفاء باستحقاق واحد أو بجميع الاستحقاقات بل باتت تتخطّاه لتصل الى حدود اعتراف ضمني بالإفلاس.

ربما تكون الحكومة قد أعلنت امتناعها عن الدفع بعدما طلبت منها شركة “لازارد” ذلك لتتمكن من القيام بدورها التفاوضي. او على العكس قد تكون الدولة قد اتخذت هذا القرار من تلقاء نفسها، وهو ما يشير ببساطة الى أن قرارات الحكومة المتّخذة تتم بلا دراسة، وعليه، تكون الدولة قد ورّطت الشركة المالية في ادارة الازمة من دون ترك المجال لاعطاء رأيها تقنياً. كلّ الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها لكن ومهما كانت نيّة الحكومة من البيان الذي نُشر من دون أن تكلّف وزارة المالية ومعها الحكومة مجتمعة نفسها لتفسير أسبابه الموجبة، فهو لم يعد كافياً في ظلّ عدم الكشف عن الخطة المالية المنتظرة.

 

حتى فترة قريبة، كان اللبنانيون يظنون أنّ عجز الموازنة ونتائجه الاجتماعية المدمّرة عصفت بلبنان نتيجة الازمات والحروب بعيد العام 1975. لكنّ هذا الاعتقاد لم يعد سارياً بعدما انكشفت أكلاف السياستين المالية والنقدية الباهظتين المتبعتين منذ التسعينات. الى ذلك، أكّدت الحكومة الحالية أنها تفتقر الى الخطط وتفتقر معها الى الرؤية لتكون “ربما” اسوأ حكومة لناحية إدارة الازمات في تاريخ لبنان المعاصر. قد لا يصحّ تحميل كلّ اعباء المالية العامة والاقتصاد الى مجلس الوزراء الحالي لكنّ هذا الاخير كان يدرك تماماً أن الشعب الذي انتفض ضدّ الطبقة الحاكمة في 17 تشرين المجيد لن يرحمه، وهو الذي قدّم نفسه على أساس المنقذ للبنان.

 

تقتصر حلول حكومة اللاخطة على الكلمات التي لا تحمل في طياتها أية معانٍ. فظاهرياً، لم يحمل البيان في مضمونه جديداً لاعتبار أنّ القرار المتّخذ كان متوقعاً حيث تتضمن إصدارات لبنان كافة، بنداً يقضي باستحقاق كلّ السندات لدى التخلف عن دفع استحقاق واحد(cross default).

 

عن الموضوع يوضح البروفسور نصري دياب أنّه “وبعد مضي أسبوعين على التخلف لم تعد عبارة تعليق الدفع ذات فائدة ففي القانون إما تُسدّد الاستحقاقات أو لا تُسدّد وخصوصاً ان تمّ ذلك من دون أي مفاوضات مسبقة مع الدائنين”.

 

ويضيف دياب “كان يتوجّب على الحكومة الاعلان عن قرار عدم السداد بعد التشاور مع دائنيها والتباحث معهم، وليس كما فعلت أي بعد الامتناع الاحاديّ عن الدفع. في هذا الاطار لا بدّ من الاشارة الى أنّ صندوق النقد الدولي يُلزم الدول التي يكون بصدد مساعدتها والتي تنوي التوقف عن تسديد ديونها الخارجية بشرطين اثنين: يتمثّل الاول بالبدء بمحادثات “in good faith” اي حسنة النيّة مع الدائنين، اما الثاني فمعاملة كلّ الدائنين بمساواة وبالطريقة عينها. في الواقع تعني المحادثات حسنة النيّة أن تتم قبل اسابيع او بالاحرى أشهر من الامتناع عن الدفع”. ذلك يعني أن ما ورد في البيان لناحية محاولة الحكومة اعتزام اجراء محادثات حسن نية مع دائنيها في أقرب وقت ممكن، وتخطيط وزارة المالية إجراء تبيان للمستثمرين Investor Presentation في 27 آذار 2020 مجرد خطوة ناقصة أو إن صحّ التعبير خطوة متأخرة. حتى الساعة، تقول الحكومة أنها لا تزال ملتزمة بشكل صارم بمبادرتها الثلاثية المحاور الخاصة بالإصلاح الاقتصادي وهي في صدد تطوير خطة اقتصاد كلي مستدامة لتصحيح وضع الاقتصاد اللبناني. لكن أين أصبحت هذه الخطة؟ ولماذا كلّ هذا التأخير؟ لا شكّ ان اعتماد السلبيات والاستمرار في اعلان قرارات بمجملها غير مدروسة بدلاً من اتخاذ خطوات استباقية مطلوبة سيزيد الاقتصاد ككل غرقاً خصوصاً في ظل التمادي بسياسة “التطميش” على الارقام الذي يزيد من التخوف عن مستقبل رواتب القطاع العام بعدما أعلنت وزارة المالية ضمناً أن حساباتها فارغة.