Site icon IMLebanon

“كرتونة إعاشة”

 

 

في زمن “كورونا” تمعن الطبقة السياسية في التسلط لتفعل ما تشاء، مستفيدة قدر الإمكان من فرصة الإستفراد بالساحة.

 

فالمحركون الأساسيون لهذه الطبقة، والذين لطالما حرصوا على التواري خلف اقنعة تناسب المراحل المتعاقبة، واستخدموا القفازات حتى لا يتركوا بصمات تدينهم، تحرروا في الزمن الكوروني، من الحياء أولاً، فخلعوا أقنعتهم وقفازاتهم، وكشفوا عن جوعهم العتيق والدفين والذي لا علاج له للنفوذ والسلطة والمال العام. وذلك لشعورهم أنهم محصّنون من غضب الشعب المرغم على حماية حياته الرخيصة في نظر حكامه. ولم يعد هؤلاء مرغمين على المراعاة والمداراة، فها هم يتعاقبون على مؤتمرات صحافية افتراضية، من دون أن ينشغل بالهم بأسئلة تحرجهم، ويتشدقون بأكاذيب وإنشائيات ليؤكدوا لأنفسهم بأن الأمر لهم. ولِمَ لا؟ فلا شيء يردعهم عن الإستغلال الوقح للفراغ والعزل والتباعد الاجتماعي والسياسي.

 

فالأوضاع العامة تسمح لمن يدعون العفة السياسية إحكام قبضتهم على كل شيء، مستندين الى أن لا قدرة للبنانيين على معارضتهم. لذا يهرِّبون كل الإجراءت والقرارات، التي لم تكن لتمر لولا الشلل المفروض بسبب الوباء. فلا حسيب أو رقيب يعرقل لهم مشاريعهم ومحاصصاتهم وسمسراتهم.

 

وليتهم يكتفون بذلك. فهم يصرّون على قتلنا باستعراضاتهم الإعلامية السلطوية، ويضخّمون كل خطوة يقومون بها، ويسخّرون لها فضاء البث ليهلكونا بالدعاية والترويج التافه.

 

وقمة التفاهة عندما يتبارى المسؤولون في سرد إنجازاتهم، وعندما يتبجّحون أمام المجتمع الدولي بأنهم حققوا أغلب ما وعدوا به من إصلاحات، والتفعيل لإقرار المطلوب مرتبط بمجلس النواب، الذي يسيطر عليه من جاء بهم. ويتذاكون فيعللون هذا المجتمع بأن خطتهم المالية ستبصر النور قريباً، وبما يتوافق وشروطه لدعمهم.

 

وهم لا يتوانون عن تهنئة بعضهم البعض والإشادة ببعضهم البعض، عندما تقاس حرارة كل مغترب إجترحت الحكومة معجزة عجائبية لإعادته الى ربوع وطنه. والله يديم الوفاق، الذي ينهار على رؤوسنا ما إن تطل ملفات لا علاقة لها بفيروس “كورونا”.

 

حينها يعود مدّعو العفة السياسية الى أصلهم. ينسون أنهم وكلاء تفليسة الوطن برضى الحاكم بأمره، ليصبحوا أعداء يصوّبون أسلحتهم الثقيلة على بعضهم البعض. مع أن اللعبة الحالية لرقعة الشطرنج ممنوع فيها الوصول الى نقلة “كش ملك”، ومسموح فيها العصف الذهني الذي لن يؤدي قطعاً الى تعيينات إدارية وقضائية شفافة تحترم معيار الكفاءة. الواضح أن الزمن الكوروني يخدم الطبقة السياسية هذه الإيام. لكن ماذا عن مرحلة إنزياح الوباء؟؟

 

أم أن هذه الطبقة التي تدير السلطة التنفيذية مباشرة أو مواربة، تستغل خطر “كورونا” المبرر لكثير من القرارات حتى ترهِّبُنا من خلال إجراءاتها الأمنية والمالية؟

 

فالوباء الذي سيطيح بمسؤولين فشلوا في تحمل مسؤولياتهم في الدول التي تحترم نفسها، شكل فرصة ذهبية للحاكم بأمره عندنا ليتمكن من إعتناق مذهب ديكتاتوري فعلي ومعلن في إدارة البلاد وشؤون العباد، ويوزع الأدوار على وكلائه الذين يعتبرون أن حق العباد لا يتجاوز “كرتونة إعاشة” ومن جهة حزبية معتمدة مدرجة على جدول المسموح لهم تعزيز شعبيتهم.