Site icon IMLebanon

الحكومة تدير «الأُُذن الطرشاء» للقضاة

 

أين أصبحت حملة مكافحة الفساد القضائي؟ الأمور هادئة جداً في «قصور العدل». هدأت موجة الاستدعاءات والإشاعات والتسريبات لتحلّ محلها موجة «حقوق القضاة». ملفّان غير منفصلين قاسمُهما المشترَك غير مرئي: مَن سيقتطع عن سابق تصوّر وتصميم من مكتسبات القضاة وحقوقهم ويحرمهم من مظلّة الأمان الاجتماعي يبدو كمَن يقول لهؤلاء «أمعنوا فساداً»!

 

خمسة قضاة حتى اليوم أصدر وزير العدل البير سرحان قراراً بوقفهم عن العمل الى حين بتّ وضعهم في المجلس التأديبي، وذلك بناءً على التحقيقات التي يجريها التفتيش القضائي برئاسة القاضي بركان سعد الذي أوصى بإحالتهم الى المجلس التأديبي الخاص بالقضاة، إضافة الى إحالة سبعة من المساعدين القضائيين على المجلس التأديبي الخاص بالمساعدين القضائيين.

 

مسار التحقيقات في «التفتيش» يُحاط بسرّية تامة إن كان لجهة المضمون أو عدد القضاة الذين يمثلون أمامه، في ظل تأكيد متكرّر من جانب رئيس الجمهورية ميشال عون أمام زواره والمعنيين بملف الفساد القضائي أنه كان ولا يزال يؤمّن الغطاء لرفع «الحصانة» عن أيِّ قاض مهما كان «ثقله» السياسي!

 

«الانتماءات» السياسية أو الطائفية للقضاة المحالين الى المجلس التأديبي أو أولئك الذين تدور حولهم الشبهات تثبت أنّ «معيار» المحسوبية لم يلعب دوره في منع التفتيش القضائي من الذهاب بعيداً في توصياته، ولا في الاعلانات المتكررة لوزير العدل عن توقيف قضاة عن العمل، لكنّ المسار القضائي البطيء في المحاسبة بدأ يدفع أكثر من جهة قضائية الى التحذير من مغبّة التوقّف عند عيّنة «فاسدة» من القضاة، خصوصاً أنّ نتائج التحقيقات الأوّلية مع السماسرة مدعّمة بتسجيلات صوتيّة ورسائل وُجدت على هواتف هؤلاء تدين قضاةً آخرين لا يزالون في مواقعهم، كما أنّ التشهير الذي لحق ببعض القضاة من باب «النكايات» السياسية أو الشخصية وحدها تحقيقات التفتيش القضائي يمكن أن تضع حداً له.

 

لكن في موازاة ورشة تنقية السلك القضائي، يقف عدد كبير من قضاة لبنان مذهولين أمام اللامبالاة الحكومية تجاه اعتكاف قضاة لبنان وإضرابهم التحذيري ردّاً على توجّه الحكومة المؤكد الى اقتطاع جزء من حقوقهم ومكتسباتهم في مشروع الموازنة.

 

الاعتكاف المستمر منذ نحو أسبوعين لا يزال يستثني جلسات الموقوفين وإخلاءات السبيل وبعض الحالات الطارئة، وما عدا ذلك يدخل ضمن «التجميد»، فيما المسعى الذي يقوده الوزير البير سرحان أو رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد لم يؤدِ حتى الآن الى أيِّ نتيجة مع تأكيد قضاة مؤيّدين للاعتكاف وعددهم يفوق الـ 250 «أنّ الجلسة الأخيرة للحكومة والمقدّرة يوم الخميس أو الجمعة أساسية لحسم وجهة تحرّكنا وتصعيدنا، مع العلم أنّ المناخ العام في التعاطي معنا لا يوحي بإيجابية».

 

وقد دعا مجلس القضاء الأعلى إثر اجتماعه أمس القضاة الى لقاء قبل ظهر بعد غد الجمعة في قاعة محكمة التمييز «لإطلاعهم على مسار الأمور»، كما ورد في البيان الصادر عن المجلس.

 

ويقول قضاة داعمون لـ «الانتفاضة» القضائية: «يصعب علينا تقبّل البرودة التي تتعاطى فيها الحكومة مع واقع اعتكاف الغالبية العظمى من قضاة لبنان البالغ عددهم نحو 550 قاضياً، من دون صدور موقف واحد يؤشّر الى اهتمام سياسي بهذه القضية المحورية، وكأنها تدير الأُذن الطرشاء لنا. نحن لسنا موظفين، بل سلطة مستقلة قرّرت الحكومة على ما يبدو تجاهل مطالبها، فيما الاعتكاف هو نتيجة طبيعية لمشاريع السلطة السياسية في الاعتداء علينا».

 

ويتساءل هؤلاء «هلّ قدّرت حكومة مكافحة الفساد الهدر المتأتي من توقف القضاة عن العمل عبر الأموال المفترض أن تدخل الى الخزينة جراء التسويات ودفع الغرامات في دوائر التنفيذ، وهذا الأمر لا يحصل حالياً بسبب القرار بالاعتكاف».

 

لكن عملياً ثمّة «جبهة» أخرى تُشغِل القضاة المعتكفين عبر «محاربتهم» الضغط القائم لتصوير أنّ هناك «حرباً» من نادي القضاة (عدد أعضائه نحو 90 قاضياً ويشاركون في الاعتكاف) ضد مجلس القضاء الأعلى الذي واجه «النادي» منذ نشوئه.

 

ويقول قضاة في هذا السياق «ثمّة سلطة قضائية اليوم ممثلة بمجلس القضاء الأعلى تحاول استغلال مبادرة الاعتكاف التي يقوم بها قضاة لبنان لتصوير الأمر وكأنّ «نادي القضاة» يقوم بتمرّد»، مؤكّدين «أنّ «النادي» هو جزءٌ من الحراك وليس الحراك، وبالتالي لا داعي لتضييع البوصلة وحرف الاعتكاف عن مساره».

 

ويستهجن هؤلاء «المحاولات الفاشلة لتشويه صورة مطالبنا المحقة»، مشيرين الى «انشغال القيّمين على السلطة القضائية بمحاربة «نادي القضاة» بدلاً من انصرافهم الى تحسين صورة القضاء لدى الرأي العام بعد انكشاف «فساد من عَيّنوهم» في مراكز مهمة، أو انصياعهم لأوامر تعيين هؤلاء».

 

ويتساءل قضاة: «هل من المقبول أن تمرّ عملية كشف الفساد في مواقع عليا ومؤثرة من دون استقالة من وقع قرارات التشكيلات القضائية التي شملت قضاةً محالين اليوم الى المجلس التأديبي؟».