فكر الرئيس ميشال عون غير مكوَّن لحكم بلدٍ مثل لبنان أُنشئ على التوافق، فالجنرال ليس مسيّساً بمعنى أنّ السياسة أخذ وعطاء، وهي «فن الممكن» كما يصفونها، فتاريخ الرجل كله عناد.
فيوم كلفه الرئيس أمين الجميّل تشكيل حكومة إنتقالية تهيّىء الأجواء لانتخابات رئاسة الجمهورية، حدث أن استقال منها الوزراء المسلمون جميعهم، وبدلاً من أن يعتبر عون بفقدان الميثاقية، التي عاد وجعلها مرتكزاً لمواقفه عندما كان الأخذ بها سيصب في مصلحته، لم يتوقف أمام هذا الإعتبار ومضى في الحكومة العرجاء التي شهد لبنان في ظلها زخماً من المآسي.
وعندما اختلف مع «القوات اللبنانية» ورّط الجيش، الذي كان لا يزال قائده، في «حرب الإلغاء» التي أنهكت لبنان وأنهت الدور المسيحي وأدّت الى الهجرة الكثيفة الى خارج البلد.
ويوم تم التوافق، في «الطائف» على حل ينهي الحرب الأهلية تشبّث بموقعه وبقي في قصر بعبدا بالرغم من العروض التي قدّمت له ومنها أن يكون وزيراً للدفاع في حكومة «الطائف» الأولى مع بقائه قائداً للجيش… فعاند وتمرّد وأعلن «حرب التحرير» على الجيش السوري الذي أخرجه من قصر بعبدا… ولسخرية القدر تحوّل لاحقاً الى أحد أبرز حلفاء النظام السوري في لبنان.
وفي خلال مرحلة النفي المرفّه في باريس أمضى خمس عشرة سنة بين باريس و«الهوت مازون»، متنقلاً بين ڤيللا ومزرعة وارفة الظلال، معززاً مكرّماً.
وعندما عاد عون الى لبنان بإتفاق ملغوم مع النظام السوري وحلفائه في لبنان تخلّى عن شعاراته كلها التي كان يرفعها في منفاه، ابتداءً من حلف أقامه مع «حزب الله» تحت عنوان «تفاهم كنيسة مار مخايل» الذي كان يقول فيه ما لم يقله مالك في الخمرة.
ووضع أمام عينيه كرسي الرئاسة في بعبدا محلّلاً كل محرّم في سبيل الوصول إليه: فلم يكن ممكناً تأليف حكومة إلاّ بشروطه، وفي كل مرة بعد جهد جهيد، وأولى تلك الشروط تسهيل دخول الصهر المدلّل الى الوزارة وبالحقيبة التي يريد، من الاتصالات الى الطاقة الى الخارجية… ثم الحصول على الحصة الأكبر من الحقائب لـ«التيار الوطني الحر»، وكانت بدعة بواخر إنتاج الطاقة، وعرقلة المشاريع الجدية المموّلة من الصناديق الدولية والعربية لإنتاج الطاقة… ربّـما لأنّ المردود من البواخر وفير!
وعندما وصل عون الى رئاسة الجمهورية بعد تعطيل البلد بالفراغ الرئاسي نحو سنتين ونصف السنة، استمر الجنرال على النهج ذاته بالعناد الذي يترجم تجميداً لكل شيء حتى تتحقق مصالح جبران باسيل، ولو أدّى الأمر بالتجميد والتعطيل الى ضرب العهد ذاته!
وعندما عقد «اتفاق معراب» وفيه توافق على المناصفة في الوزارة والنيابة والوظائف أخذ عون كل شيء خصوصاً رئاسة الجمهورية ولم يأخذ جعجع شيئاً.
ولما كان متعذراً على الصهر أن يصل الى مجلس النواب عن طريق قانون انتخابات نيابية طبيعي، بقي الرئيس يناور ويداور الى أن «أنجز» أسوأ قانون انتخابات في تاريخ لبنان منذ الانتداب الفرنسي حتى اليوم مروراً بمرحلة الاستقلال… واليوم نرى أنّ تعديل هذا القانون أو إبداله بقانون «واقعي وطبيعي» هو المطلوب الأكثر طرحاً ليس من الثوار وحدهم بل من مختلف الأطياف السياسية أيضاً.
وهكذا يمكن القول، براحة بال وضمير، إننا لو أجرينا جردة حسابات بـ«إنجازات» هذا العهد في السنوات الثلاث الماضية لما وجدنا شيئاً أو إنجازاً واحداً يعتد به… إلاّ إذا اعتبر عون أنّ الإنجاز الأكبر هو الحصول على أكبر كتلة نيابية، ما يطرح السؤال الآتي: أين، وفي أي بنك يمكن صرف هذا «الإنجاز»؟
وعلى سيرة هذا «الشيك بلا رصيد» ننظر الى قطاع البنوك وما آلت إليه أوضاعه في عهد عون وما أدّى الى ضائقة خانقة على المودعين لنقول، أخيراً وليس آخراً، إنّ قطاع المصارف بقي صامداً حتى في أيام الحرب، بالرغم مما تعرّض له من إعتداءات ونهب… أما اليوم، وفي عهد «الرئيس القوي» فالوضع يتحدث عن ذاته!
باختصار: عقل ميشال عون غير قابل للتوافق والتفاهم… والآتي أعظم!