يولي العديد من القوى السياسية اللبنانية، كما والعديد من دول الخارج أهمية ذات شأن ومدلول سياسي، لإعادة العلاقات بين «تيار المستقبل» بقيادة الرئيس سعد الحريري وسمير جعجع، الى ما كانت قبل استقالة الرئيس الحريري وزيارته المملكة العربية السعودية في تشرين الثاني الماضي.. وقد ارتفعت وتيرة التواصل بين الفريقين في الأيام الأخيرة، ولبنان على أعتاب اجراء الانتخابات النيابية في 6 ايار المقبل..
لا يفكر المتابعون للاتصالات عن قرب، ان الطريق المؤدي الى ذلك لا يخلو من كثير من المطبات والعراقيل، خصوصاً وقد تركت مواقف رئيس «القوات» سمير جعجع جرحا في نفس الرئيس الحريري، لا يمكن المرور من فوقه وكأن شيئاً لم يكن، على رغم تمنيات العديدين في الخارج وفي الداخل العمل من أجل إحياء ما كان يسمى بـ14 آذار في مواجهة ما كان يسمى بـ8 آذار..؟! وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهت «النقاشات» والحوارات بين «المستقبل» و»القوات» فإن في رأي هؤلاء المتابعين فإن «الترميم غير مستحيل» وان «النقاش أصبح في المراحل المتقدمة للتركيز على المناطق التي قد يكون فيها تحالف وتعاون، مثل باقي القوى السياسية..» خصوصاً، وأن هؤلاء باتوا على قناعة من أن قانون الانتخاب الحالي، لا يعطي أرضية صالحة وكافية ووافية «لتحالفات شاملة كثيرة وواضحة على كل الأراضي اللبنانية، بل ستكون تحالفات (بالقطعة) مناطقية محلية ومدروسة حسب الحاجة الانتخابية للمناطق..».
يتوقف الجميع عند المواقف التي يطلقها الرئيس الحريري تباعاً، وخلاصتها «ان التوافق السياسي ضروري لتحقيق المزيد من الانجازات والمشاريع الحيوية للبنان..» وهو رسم «خريطة طريق» مبدئية لذلك ينتظر ان يعلنها بعد ظهر يوم غد الاحد في مجمع «البيال»، حيث سيخصص حيزاً واسعاً من كلمته على مبادئ «ثورة الارز» لاسيما لجهة بناء الدولة وتقويتها وحصر السلاح بيد الدولة، ومؤسساتها الرسمية العسكرية والأمنية.. والانفتاح على جميع القوى السياسية، باستثناء «حزب الله..».
لقد حمل وزير الثقافة غطاس خوري، المكلف من الرئيس الحريري، الى سمير جعجع رسالة، هي بمثابة أجوبة على العديد من الأسئلة التي كانت طرحت في اللقاءات المتتالية بين وزير الاعلام ملحم الرياشي («القوات») والوزير خوري، وكانت مدار بحث في لقاء الرئيس الحريري مع ماكينته الانتخابية والمرشحين من أجل «حسم خريطة التحالفات» والتي بات معروفاً ومسلماً به بأنه سيكون بـ»القطعة» وفقاً لما تقتضيه مصلحة تيار «المستقبل» المنفتح على «التيار الوطني الحر»، بشخص رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تحديداً..
بحسب مصادر متابعة، فإن كلمة الرئيس الحريري، يوم غد الأحد، واعلان أسماء مرشحيه للانتخابات النيابية، ستضيء الطريق أمام ما آلت اليه «النقاشات» والاتصالات التي تدور، سرا وعلانية، بين الافرقاء الثلاثة الأساسيين، «المستقبل» و»التيار الحر» و»القوات».. وقد سجلت بورصة المشاورات الثلاثية هذه، تقدماً ملحوظاً على خطوط التحالف بين أركانه بـ»القطعة»، في عدد من المناطق، وان غير نهائي بعد، فما يصح في صيدا وجزين وعاليه والشوف وبيروت وبعض الشمال والبقاع الاوسط – زحلة قد لا يصح في أمكنة أخرى.. وهو قد يصمد، او قد ينهار في ضوء ما ستؤول اليه المشاورات بين الافرقاء الثلاثة، خصوصاً أكثر مع ما يحكى عن برودة في العلاقات بين «التيار الحر» و»القوات» على خلفية مواقف «القوات» من العديد من المسائل التي يعتبرها البعض موجهة الى رئيس الجمهورية، من مثل مسألة الكهرباء..
لا ينكر عديدون في «المستقبل»، كما وفي «الثنائي» (القوات والتيار الحر) ان قانون الانتخابات الجديد، وما يحمله من قواعد وأسس وشروط، قد يفرض تحالفات على «القطعة» حتى بين الحلفاء المجتمعين على «علاقة استراتيجية».. وهذه مسألة يتفهمها العديد من الدول التي تولي الاستحقاق الانتخابي في لبنان أهمية كبرى، وتعمل على انضاج طبخة التحالفات هذه، لقطع الطريق أمام «حزب الله» وحلفائه، المتهم بأنه يتطلع الى الحصول على غالبية في مجلس النواب الجديد، توفر له فرصة القبض على القرار، وتحديد شكل ومضمون الحكومة الجديدة وما الى ذلك.. والذي بات يعرف أنه مستهدف في «عقر داره» في بعلبك الهرمل.
وفي قناعة متابعين للتطورات الداخلية والخارجية، فإن كلام الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله عن دائرة بعلبك – الهرمل في طلته الاخيرة، ومحذراً من «التآمر على المقاومة» لم يأت من فراغ، خصوصاً عندما تحدث عن تدخل سفارات غربية وعربية في هذه الدائرة.. وفي رأي البعض، ان هذه الدائرة قد تشهد «حماوة استثنائية وغير مسبوقة..»؟!
أياً ما الت اليه الأيام المقبلة، وأيا ما كانت العناوين التي طبعت الصراع السياسي على أرض لبنان، وماتزال، فإنه من المبالغة القول ان 8 آذار و14 آذار، عائدان الى الساحة السياسية بكامل مكوناتهما وثقلهما الداخلي والخارجي (العربي والاقليمي والدولي).. بصرف النظر عما اذا كانت الانتخابات المقبلة ستلد نسخة طبق الأصل عن سابقتيها.. والرئيس الحريري يتطلع الى «توافق سياسي» يراه «ضرورياً لتحقيق المزيد من الانجازات والمشاريع الحيوية للبلد..» ويشدد على أهمية الاستقرار السياسي والأمني لتفعيل الدورة الاقتصادية وانعاش الاقتصاد «وقد كشف في مناسبة قبل يومين ان «دول الخليج تدرس حالياً اعادة السماح لمواطنيها للمجيء الى لبنان..» وهي عندما تقرر ذلك لا تغامر اذا كان الاستقرار الامني مهدداً بنزاعات ومواقف على خلفيات «أكل الدهر عليها وشرب» ولم تأتِ على لبنان بأية ايجابية..؟!