Site icon IMLebanon

إيران وإسرائيل: بين الحرب التصوّريّة والحرب المصيريّة

 

لا يزال الهجوم الذي شنّته ايران على اسرائيل ليل السبت في 13/4/2024 الحدث الأبرز في الشرق الأوسط. ويأتي هذا الهجوم كرد على الغارة الاسرائيلية التي استهدفت قنصلية ايران في دمشق في الأول من نيسان الجاري وأدّت إلى مقتل سبعة مسؤولين في الحرس الثوري. وكانت ايران قد ردّدت أكثر من مرّة أنها لن تسكت عن هذه الجريمة وسترد في الظرف والمكان المناسبين وبالوسائل المناسبة أيضاً. أما وأنّ هذا الرد قد تمّ، فما الذي يمكن قوله عن طبيعة هذا الرد ومدى جديّته ومدى شموليته ومدى فعاليته ومدى تأثيره على الوضع الجيو- سياسي في الشرق الأوسط والصراع العربي الاسرائيلي والانتقال إلى الصراع الفارسي – الاسرائيلي؟ وما هي حدود المخاطر التي يشكّلها الموقف الايراني على مجمل الوضع الاقليمي والدولي في آن؟

 

1 – كان الهجوم الايراني، كما ذكرت وسائل اعلام عالميّة، يشمل أكثر من 300 صاروخ ومسيّرة وقد جرى اطلاق معظمها من الأراضي الايرانية باتجاه اسرائيل، وبحسب اسرائيل والدول الغربية المساندة لها فإنّ معظم هذه الصواريخ والطائرات المسيّرة قد تمّ اسقاطها بواسطة الدفاعات الاسرائيلية والأميركية والفرنسية. ولم يصل إلى أراضي الدولة العبريّة سوى عدد قليل منها أصاب قاعدة جويّة في جنوب البلاد وأدّى إلى اصابة طفلة بشظايا. وكتب نتنياهو معلّقاً على الحدث: اعترضنا وتصدّينا، معاً سننتصر…

 

2 – أما الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي فقد توعّد اسرائيل بأنّ الرد عليها سيكون أقوى وأكثر حزماً إذا فكّرت أنّ بمقدورها القيام بخطوة متهورة رداً على الهجوم الايراني. أما رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الايرانيّة الجنرال محمد باقري فلم يهدّد فقط اسرائيل بأنّ الرد عليها سيكون أكثر بكثير إذا ما فكرت بالرد على ايران، بل تجاوز طهران بالذات موجهاً تحذيراً مباشراً إلى الولايات المتحدة من أنّ أي دعم لاسرائيل سيؤدي إلى استهداف قواعد أميركية في منطقة الشرق الأوسط!

 

3 – الملفت في الموقف الايراني أنّ نظام الملالي في طهران، بالرغم من تبنّيه نظام ولاية الفقيه في السلطة، سعى إلى وضع موقفه وتصرفه تحت لافتة ميثاق الأمم المتحدة وهذا ما أكد عليه مندوب ايران في الأمم المتحدة قائلاً: لن نتأخّر عن استخدام حقّنا في الرد على الهجوم الاسرائيلي على قنصليتنا في دمشق بموجب ميثاق الأمم المتحدة، لا سيما المادة 51 منه. ذلك أنّ اسرائيل تجاوزت الخطوط الحمر وكان لا بدّ من الرد عليها، ولذا هاجمنا أهدافاً مهمّة في الكيان الصهيوني. لقد هاجمنا المواقع التي كانت منطلقاً لمهاجمة سفارتنا. واذا رد الكيان الصهيوني فسيكون ردنا أعنف، حتى أميركا بالذات إذا شاركت في الهجوم سنرد عليها أيضاً!

 

4 – إنّ العملية الاسرائيلية على السفارة الايرانية في دمشق وضعت ايران في موقف حرج للغاية: ويلها إن لم ترد وويلها إذا ردّت. فهي تطرح نفسها المحامية الكبرى عن القضية الفلسطينية، تدعم جناح «حماس» في السلطة الفلسطينية سياسياً وعسكرياً ومادياً. وهو دعم حقّق لـ»حماس» نفوذاً على امتداد الأراضي الفلسطينية وخاصة في قطاع غزّة حيث أصبحت القوّة الأولى ذات النفوذ والهيمنة على السلطة. إنّ عملية القصف على السفارة الايرانية في دمشق كانت بمثابة تحدّ مكشوف لكبرياء ايران الوطنية والعربية والأعجمية والاسلامية. لذا كان من الصعب، بل من المستحيل ابتلاع هذه الاهانة السياسية بسهولة. كان لا بدّ من رد ولو في حدّه الأدنى. وهذا ما استقر عليه رأي المسؤولين في طهران أي: القيام برد ولكنه رد محدود ومحسوب بالمعنى الحقيقي للعمل العسكري ولكنه رد غير محدود بالمعنى الدعائي الخيالي التصوّري تمجيداً لنظام الدولة الاسلامية الايرانية وقد قام هذا التصوّر على جملة مقدمات ومعطيات:

 

• أن لا يتناول الأشخاص والمؤسسات الاقتصادية.

 

• أن يتم الابلاغ عنه مسبقاً للولايات المتحدة وهذا ما حصل بإبلاغ ثلاث دول عن بداية الهجوم وهي: عُمان وتركيا وسويسرا.

 

• الاعلان عن بلوغ الأهداف وانتهاء المهمة.

 

• الاهتمام بالناحية الدعائية قبل الهجوم وفيه وبعده، من دون الأخذ بالاعتبار الأهداف المحققة على أرض الواقع. إنّها أهداف كبرى بالمعنى الدعائي التصوّري وخلاصتها: ايران تهاجم اسرائيل بثلاثماية صاروخ وطائرة مسيّرة… ولكن النتيجة لا شيء على أرض الواقع. وإنما لها ارتداداتها على أرض الدعاية السياسية.

 

• مع أنّ مصادر الهجوم شاركت فيها ايران بشكل أساسي الّا أنّها اعتمدت أيضاً على قوى دول أخرى: العراق واليمن.

 

5 – ما هو العامل الحاسم الذي نقل تاريخياً، وينقل الموقف الايراني في التحدي العسكري لإسرائيل من مجرّد موقف تصوّري خيالي إلى موقف مصيري حاسم؟ إنّه بكل اختصار موضوع ادراك القادة في ايران لقوة اسرائيل النووية. وإنّه مهما كانت لديهم الارادة والرغبة والشجاعة للرد على اسرائيل فلن يكون بامكانهم تحقيق انتصار كاسح عليها مع ما لديهم من ايمان وسكان ومساحة أرض وثروات اقتصادية نفطيّة وقوّة عسكرية ورغبة في المواجهة. كل هذا التفوّق يسقط أمام معادلة قائمة تغيّر كل شيء وهي القائلة إنّ اسرائيل دولة تملك قدرات نووية وهي بحسب علماء الاستراتيجيا تمثل خامس قوّة دولية في العالم.

 

ولذلك فإنّ التعامل معها على الصعيد العسكري ينبغي أن يأخذ هذا الواقع بعين الاعتبار. وهذا الأمر ليس بجديد لا على حكّام طهران ولا على حكّام تل أبيب. فلقد كان الإمام الخميني يردد منذ وجوده في فرنسا عام 1979 بأنّ هدف الثورة الاسلامية في ايران هو محو اسرائيل عن خريطة العالم. ولقد كان الزعماء الصهاينة يردّون بالقول: انهم قادرون على تدمير ايران السلطة والحضارة في آن. ومثل هذا القول، بل التهديد، يأخذ معنى خطيراً عندما ندرك أنّ لدى اسرائيل رصيداً من ثروة القنابل النووية يصل إلى حدود 250 قنبلة وهم بهذا خامس أقوى دولة نووية في العالم!

 

أمام هذا الواقع يقف حكّام ايران متأملين: وهذا ما يجعلهم يختارون الحرب التصوّريّة لأنّهم غير قادرين على مواجهة الحرب المصيريّة!