Site icon IMLebanon

مكتب الرئيس في خبر جديد

 

كأنّ غيمة من الحزن والكآبة تغمر مقر رئاسة الجمهورية في قصر بعبدا. لم يسبق أن شهد هذا القصر ما يشبه هذه الحالة. حتى في أيام الحرب لم يكن قدره محاطاً بهذه السوداوية. وحدها أيام الفراغ بعد ولاية الرئيس أميل لحود ثمّ الرئيس ميشال سليمان كانت أقسى. الغريب هو ذلك الشعور بالفراغ يملأ هذا القصر حتى في ظل وجود الرئيس ميشال عون فيه. والأغرب هو اقتناع بعض من في القصر بأن الرئيس يملأه صخباً وحركة وضجيجاً وأفعالاً.

تكاد استقبالات الرئيس اليومية في قصر بعبدا تقتصر على استقبالين تقريباً. أخبار القصر لا تذكر أكثر من ذلك إلا في حالات استثنائية. عن صفحة موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية الإلكتروني الرسمي وتحت خانة لقاءات يسجل في 15 آذار أنّ الرئيس عون عرض مع النائب فريد البستاني الاوضاع الاقتصادية وحاجات منطقة الشوف الانمائية. وفي 16 آذار ترأّس اجتماعاً خُصِّص للبحث في اوضاع مرفأ بيروت بعد الانفجار الذي وقع في 4 آب الماضي، في حضور نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر ووزير الاشغال العامة والنقل ميشال نجار والوزير السابق سليم جريصاتي، والمدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور انطوان شقير والمستشارين رومل صابر والعميد بول مطر وانطوان قسطنطين وانطوان سعيد، وقد أعطى الرئيس عون توجيهاته لوضع الدراسات القانونية والاقتصادية والمالية والفنية والمخطط التوجيهي لتطوير المرفأ. وبعد الظهر استقبل عون النائب السابق أميل رحمه. وفي 17 آذار التقى الوزيرين السابقين طلال أرسلان وصالح الغريب. وفي 18 استقبل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وفي 19 زاره السفير البابوي وفي 20 كان يوم عطلة الأحد. في 21 استقبل الوزير السابق وليد جنبلاط وفي 22 استقبل الوزيرتين زينة عكر وغادة شريم والنائب ميشال ضاهر والوزير السابق طارق الخطيب، قبل أن يتوج نهاره باللقاء المتفجر مع الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري. وفي 23 تابع الرئيس لقاءاته القليلة على هذا المنوال. ماذا يفعل الرئيس في أوقات الفراغ التي لا يكون عنده فيها استقبالات وهي تكاد تكون أكثر من عشر ساعات في النهار، إذا اعتبرنا أن الليل لا يسمح باستقبالات خارج الدوام؟

 

المكتب الكئيب

 

عادة يستقبل الرئيس الزوار أفراداً في مكتبه. صورة ديكور المكتب توحي بالملل والرمادية والرتابة. حتى الجدران واللوحات لا توحي بدفق الحياة. يجلس الرئيس على مقعد جلدي رمادي ويجلس الزائر على مقعد جانبي من النوع نفسه واللون نفسه يتّسع لأكثر من شخص. قبل ذلك كانت المقاعد جلدية بنية تتّفق تقريباً مع ديكور المكتب ولا يُعرف سبب استبدالها بهذه المقاعد الرمادية. ربّما كان الأمر يتعلّق بحفظ مسافة التباعد الإجتماعي في زمن الكورونا. مع الوزير السابق وليد جنبلاط كما الوزيرة عكر مثلاً، وغيرهما، كانت هناك هذه المسافة مع ارتداء الكمامات. أمّا مع الرئيس سعد الحريري فكانت الجلسة في زاوية مختلفة حيث جلس الحريري على مقعد فردي وكانت المسافة بينه وبين الرئيس أقصر ولكنّها لم تكن تعكس المسافة الحقيقية التي تفصل بينهما.

 

من لقاء الخميس إلى لقاء الإثنين بعدت المسافة أكثر لأنهما باتا يسيران في اتجاهين متعاكسين. ثمّة ثغرات كبيرة في نشاط القصر الجمهوري وطريقة عمل الرئيس. في ظلّ استغيابه عن الظهور أمام الجمهور هناك من يتولّى مهمّة الحديث باسمه. سواء أكان هذا الأمر بموافقته، وهذا الأرجح، أو لم يكن، فإنّ هذا الأمر يكثر من الإساءة إليه. يبدو مع هذه الطلّات للكلام باسم الرئيس أنّه بات عاجزاً عن التركيز أو فاقداً للإرادة وأنّه لا يمكنه أن يحدّد أفكاره وينظّم كلماته وعباراته. وبالتالي من الأفضل أن يكون هناك من يتحدّث باسمه، أو من ينوب عنه في بعض النشاطات.

 

ثغرات في نشاط القصر

 

منذ اللقاء المفتوح مع الإعلاميين الذي تحدّث فيه عن الوصول إلى جهنّم، جرت محاولات لتغيير الواقع القائم في القصر الجمهوري التي قيل عنها انها بلغت حدّ الإنقلاب داخل القصر. ولكن يبدو أنّ العلاج الذي تمّ اختياره للحالة المشكو منها كان أكثر إضراراً بالرئيس فزادت الحالة “المرضية” سوءاً. مثال على ذلك، البيان الذي تحدّث مثلاً عن لقاء بين الرئيس وحاكم البنك المركزي رياض سلامة الذي صار لقاءً بينه وبين مستشار الرئيس شربل قرداحي. قيل أيضاً إن اللقاء حصل في قصر بعبدا. ثم قيل إنّه لم يحصل وإنّ قرداحي زار الحاكم في البنك المركزي وإن المطلوب من كل هذه الخبرية كان القول إن الرئيس طلب وإن الحاكم استجاب، وتعهّد للرئيس التدخّل للجم عملية انهيار سعر الليرة بعدما لم تعد هناك إي قدرة لا لدى الحاكم ولا لدى غيره على لجمه ووقف الإنهيار، سواء مع منصة الكترونية عبر المصارف أو من دونها. من يشير على الرئيس مثلاً باعتماد هذه الخيارات التي تنتهي بالإساءة إليه وإلى موقع الرئاسة؟ هل هي أخطاء متعمّدة أم مجرّد سوء تقدير ممّن كان يفترض به أو بهم مثلاً أن يصحِّحوا المسار المشكو منه فأتوا إلى القصر وبدل أن “يكحِّلوها عميوها”.

 

من يتحمّل مثلاً مسؤولية اللقاء الإعلامي المباشر على الهواء الذي تحدّث فيه الرئيس عن أنّ “اللي مش عاجبو يسافر”؟ ومن يتحمّل مسؤولية اللقاء المباشر مع الإعلاميين والحديث عن جهنّم؟ ومن يتحمّل مسؤولية الرسالة المتلفزة التي وجّهها الإربعاء الماضي عند الساعة الثامنة وكـأنّها رسالة الإستقلال أو الذكرى السنوية لاعتلاء سدة الرئاسة، ليتبين أنه يحدّد فيها للرئيس المكلف سعد الحريري ما عليه أن يفعله ناصحاً إيّاه بالإعتذار عن مهّمة التأليف فتمسك الحريري به أكثر؟ وقبل ذلك من يتحمّل مسؤولية تسريب الفيديو الذي يتّهم فيه الرئيس الحريري بأنّه يكذب؟ لا يمكن أن يتسرّب فيديو من هذا النوع من دون قرار نظراً لأنّ هناك رقابة على عمليات التصوير، ولا يُعطى أي فيلم مع صوت من دون قرار. ومن يتحمّل مسؤولية الرسالة التي وصلت إلى بيت الوسط مع الدرّاج الذي يُكلَّف نقل البريد من القصر؟ وهي ليست رسالة معايدة أو دعوة إلى احتفال بل تتعلّق بتوقيع الرئيس على ورقة يطلب فيها من رئيس الحكومة أن يملأ التركيبة الوزارية وفق التوزيع الذي اختاره له. وعندما تقع المصيبة يخرج متحدث باسم القصر والرئيس ليبرِّر من دون أن يُقنِع وليزيد الفراغ فراغاً في قصر بعبدا.

 

من يقرّر باسمه؟

 

خطورة الفراغ الحاصل أنّ الرئيس يبدو عاجزاً عن تغيير هذا الواقع الذي بات يفرض نفسه عليه. وهو عاجز عن تبديل المستشارين وكأنّ القرار لم يعد بيده أو أنه صار بيد من يقرّر عنه ومن يستطيع أن يتحدّث باسمه، وكأنّ الحضور صار لمكتب الرئيس أكثر مما هو للرئيس.

 

مؤسف غياب القرار الرئاسي وحضور الإرتياب المحيط بما يصدر باسم الرئيس. المسألة لا تتعلّق بشخص الرئيس وبالإساءات التي تلحق به من دون أن تصل إليه النصائح، بأن يكفيه ما تعرّض ويتعرّض له وبأنّ من الأفضل له أن يستقيل ويغادر موقعه قبل أن تتوالى عمليات الإهانات التي يتعرّض لها. المسألة تتعلّق أكثر بموقع الرئاسة الذي يتبهدل أيضاً من دون أن ترفّ للممسكين بقرار الرئيس أو منفذي رغباته جفن حرصاً منهم على الإستمرار في مواقعهم حتى لا يكون خروج الرئيس خروجاً لهم وانتهاء لأدوارهم. ذلك أن الحاجة صارت ماسة لكي يتم ملء الفراغ في القصر أكثر من الحاجة إلى نصيحة ملء الفراغات في لائحة اقتراح تشكيل الحكومة التي لن تتشكّل.