Site icon IMLebanon

إضعاف رئاسة الحكومة بتعليق الدستور

 

 

يصعب إيجاد سابقة في التاريخ السياسي اللبناني جرى فيها تأخير إجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة بتأليف وزراء حكومته الجديدة، مثلما هو حاصل في هذه الأيام، منذ استقالة الرئيس سعد الحريري في 29 تشرين الأول الماضي.

 

قد يلجأ البعض إلى ذكر استقالة رئيس الحكومة الراحل رشيد كرامي العام 1969 كمثل عن أن هناك سابقة أدت إلى تعليق الحكومة زهاء 6 أشهر ثم إلى عودته عن الاستقالة بالتزامن مع اتفاق القاهرة. إلا أن هذا المثل لا يستقيم مع الحاضر لاختلاف ظروفه، بعد أن نظم اتفاق الطائف العلاقة بين الرئاستين الأولى والثالثة، بدءاً بإدخاله مبدأ الاستشارات النيابية الملزمة لتعيين رئيس الحكومة، حتى لا يتحكم رئيس الجمهورية باختياره، وأنتج صيغة جديدة لتقاسم السلطة بين زعماء الطوائف.

 

قد يكون طغيان العامل الجديد المتمثل بالحراك الشعبي العابر للطوائف والمناطق والذي أثبت جديته وتصميمه وقدرته على الاستمرار، حاجباً للسجال حول مدى ضرر تأخير الاستشارات الملزمة من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على انتظام العمل بالمبادئ الدستورية. فاهتمام القوى السياسية يتوزع بين ملاحقة أنباء التحركات الشعبية غير المسبوقة التي تشغل اللبنانيين والعالم، بأساليبها الجديدة والفعالة، وبانعكاساتها الأمنية في الشارع و”الشارع الآخر”.

 

وقد يكون عمق الأزمة الاقتصادية المالية وانعكاساتها المعيشية اليومية هو الذي يضع النقاش الدستوري حول الآثار السلبية لتعليق الآلية الدستورية لتكليف رئيس في مرتبة ثانية من الأهمية، قياساً إلى الانهماك بأزمات السيولة والبنزين ومستحقات المستشفيات على الدولة، والطحين وصعوبة استيراد الدواء، وأوضاع المدارس وأقساطها… إلى غيرها من المشاكل اليومية التي تقض مضاجع اللبنانيين.

 

إلا أن ما يجري على صعيد أزمة تأليف الحكومة الجديدة يدفع الأوساط المعنية بتسريع قيامها، إلى رفع مستوى الرفض للطريقة التي يتم التعامل فيها مع الرئاسة الثالثة ويحفر عميقاً في التجاذب الطائفي على الصلاحيات. ولم يعد بعض هذه الأوساط يكتفي بتكرار الدعوة إلى تطبيق الدستور بإجراء الاستشارات الملزمة، وبوصف تأخيرها من قبل الرئيس عون على أنه خرق للدستور. فما يجري له مفعول عكسي على الصعيد السياسي لمقولة الإتيان بالأقوياء في طوائفهم إلى الرئاسات الثلاث، في ظل الشروط التي تطرح على المرشحين لرئاسة الحكومة سواء كان الحريري أو المدعومين منه، كما يشترط الثنائي الشيعي وفريق الرئيس عون.

 

فالشروط على الحريري وعلى من جرى ترشيحهم لرئاسة الحكومة حتى الآن، لا تفعل سوى تجريده بصفته أحد الأقوياء، وتجريدهم باعتبارهم يتمتعون بدعم الزعيم القوي، من أسباب القوة، وبالتالي إضعاف دورهم في السلطة في حال قبل أي منهم الجلوس على الكرسي، هذا فضلاً عن تجريدهم من القدرة على تلبية مطالب الحراك الشعبي الذي ما زالت حال الإنكار لمطالبه تطغى على مقاربة رجال العهد، والثنائي الشيعي له.

 

وما يجري من ربط إجراء الاستشارات بقبول الحريري بصيغة “التكنو سياسية” لتمثيل الأحزاب، مقابل مقاربته الداعية إلى الاستجابة للحد الأدنى من مطالب الحراك، ولمتطلبات الأزمة الاقتصادية عبر حكومة الاختصاصيين، ثم تسمية شخصيات “عليه” دعمها لتؤلف حكومة وفق مقاييس مفروضة عليه وعليهم، يشكل سوابق في إخضاع رئاسة الحكومة لمنطق من يخالفونه الرأي. بات تعليق الآلية الدستورية عنواناً لإضعاف رئاسة الحكومة والتحكم بها، تحت غلاف ضمان التوافق على الحكومة بحجة تفادي الفراغ. إلا أن تلك الحجة نفسها هي التي تطيل الفراغ بعد شهر و5 أيام.

 

وإذا كان الثنائي الشيعي يحرص منذ بداية الأزمة على تجنب الحساسية السنية الشيعية، وفق ما ينقل عنهما الحريري نفسه، فإن التلويح المتواصل بأن تبقى حكومة تصريف الأعمال كعنوان لتعطيل تأليف الحكومة الجديدة لا يتناسب مع هذا الحرص، إذا أضيف إليه التفرج على “التيار الحر” يخوض الحملات الإعلامية على الرئاسة الثالثة فيعتبرها سبب الأزمات، تاريخياً.