Site icon IMLebanon

“الجمهورية” تنشر وقائع قصة التسوية الحكومية

 

بعد طول انتظار، عولجت العقدة السنّية وفق منطق «التسويات اللبنانية». تدوير للزوايا الحادّة ونحت في صخر اللاءات المتشددة، ثم ولادة لحل تمتزج فيه التنازلات المتبادلة، إنما بنِسب متفاوتة ربطاً بموازين القوى. ولكن، ما هي قصة التسوية التي أخرجت الحكومة من عنق الزجاجة؟

 

بعد التباين العلني بين موقفي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و»حزب الله» حيال تمثيل النواب السنّة المستقلّين في الحكومة، نشطت أكثر من قناة اتصال بينهما سعياً الى سد الثغرة الموضعية في بنيان التحالف الاستراتيجي الذي يجمع الطرفين منذ توقيع وثيقة التفاهم عام 2006.

 

في تلك المرحلة، كان النائب اللواء جميل السيد أحد أبرز الناشطين على خط بعبدا- حارة حريك، ساعياً الى صوغ مقاربة مشتركة لطبيعة العقدة السنّية وسبل معالجتها. في البداية، سمع السيّد من عون ما مفاده انّ الرئيس المكلّف سعد الحريري هدّد بالاعتذار عن تشكيل الحكومة إذا أصرّ «حزب الله» على انتزاع مقعد وزاري لـ»اللقاء التشاوري»، وأنّه لا بأس في ان يساير «الحزب» رئيس الجمهورية حيال هذه المسألة ويتفهّم دقّة الوضع.

 

حاول السيّد ان يختبر في قصر بعبدا إمكان إخضاع العقدة السنّية الى حل مستنسخ عن ذاك الذي سبق اعتماده لمعالجة العقدة الدرزية، خصوصاً وانّ السيد أدّى دوراً اساسياً في «حياكة» التسوية للخلاف على المقعد الوزاري الدرزي الثالث، بعد حركة دؤوبة تولاها على خطوط بعبدا – كليمنصو- خلدة، تُوّجت بعشاء مثمر مع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط.

 

لم يتأخّر عون في إبداء ليونة في التعامل مع مبدأ تمثيل النواب الستة بوزير، وبادر الى استقبالهم في قصر بعبدا، معترفاً بحيثيتهم في الطائفة السنّية ومتفهماً مطلبهم، إنما من دون ان يحدّد طريقة الاستجابة له. في هذا الوقت، كان الحريري لا يزال يرفض بشدة أي محاولة لـ»تسلل» سنّة 8 آذار الى حكومته، سواء عبر حصّته أو حصّة غيره. أدرك عون انّ تصلّب الرئيس المكلّف صار جزءاً من المشكلة، وأنّ عليه أن يستعيد المبادرة، بعدما أخذ الوقت الضائع ينهش في جسم العهد، فالتقى رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد والحاج حسين الخليل المعاون السياسي للأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، والتقط منهما إشارات إيجابية، تمّ البناء عليها لاحقاً.

 

صحيحٌ انّ الحزب متضامن مع مطلب «اللقاء التشاوري» إنطلاقاً من وفائه لحلفائه، لكن الصحيح أيضاً أنّه حريص على حماية عهد حليفه الآخر عون، وهو لا يريد ان يبدو عبئاً على رئيس الجمهورية الذي يجاهر بدعمه للمقاومة، على رغم من كل الضغوط الدولية. وهكذا، ترك «الحزب» نافذة مفتوحة على «التسوية العادلة»، عندما أكّد رعد بعد لقاء عون، انّ المطلوب إعتراف الحريري بحيثية «اللقاء التشاوري» وبحقه في ان يتمثل بوزير ضمن حكومة الوحدة الوطنية، ليبنى على الشيء مقتضاه، فاسحاً بذلك المجال أمام البحث في خيار تمثيل النواب السنّة المستقلّين من خارج صفوفهم.

 

لاحقاً، وفي إطار استكمال دينامية المبادرة التي أطلقها، التقى عون الحريري على قاعدة ان يتولى إقناعه بالموافقة على مشروع التسوية، فيما يتكفّل «الحزب» بتليين موقف حلفائه السنّة. وفي اليوم التالي، كان الحريري يحطّ في لندن للمشاركة في مؤتمر اقتصادي حضره أيضاً الوزير جبران باسيل، لتبدأ هناك المرحلة الأخيرة والحاسمة من مخاض الولادة الحكومية القيصرية.

 

بعيداً من جدول أعمال المؤتمر، إجتمع الحريري مع باسيل في أحد فنادق العاصمة البريطانية في توقيت الـ»TEA TIME»، حيث طرح وزير الخارجية على الرئيس المكلّف ثلاثة مقترحات لمعالجة العقدة السنّية. بعد أخذ ورد، وافق الحريري على المقترح الاول (الصيغة التي يجري تطبيقها حالياً) ليخرج الحريري ويقول من لندن، إنّ الوصول الى الحكومة لم يعد يتطلب سوى قطع مسافة المئة متر الأخيرة.

 

وغداة عودته من العاصمة البريطانية، التقى باسيل الجمعة الماضي مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا، ووضعه في صورة التقدّم الذي أحرزه النقاش مع الحريري، وتبلّغ منه دعم «الحزب» للمسعى المبذول من اجل معالجة الأزمة واستعداده للمساهمة في إنجاحه. وعندما قرأ باسيل في بعض الصحف أنّ اجتماعه مع صفا كان سلبياً، إبتسم وقال لمساعديه: «لا علاقة لما نُشر بما حصل أثناء الاجتماع».

 

خلال السبت والاحد الماضيين، إنطلقت مرحلة «طهو» طبخة الحل على نار قوية، بعدما اصبحت مكوناتها جاهزة، وتمّ التوافق بين كل من عون وبري والحريري وباسيل على تكليف اللواء عباس ابراهيم الاشراف على الآلية التطبيقية، وسط ليونة ملحوظة في لهجة «اللقاء التشاوري» الذي فتح الباب للمرة الاولى أمام سيناريو تمثيله بوزير من خارجه، ربطاً بمرونة الحريري، وتجاوباً مع تمنيات «حزب الله».

 

وقد اتصل المعاون السياسي للسيد نصرالله بأحد أعضاء «اللقاء التشاوري» الذي أظهر عدم حماسته حيال مشروع التسوية المطروح، فقال له المعاون ما معناه: «نحن معكم في ما تقرّرونه، ولكن رأينا هو أنّ هناك فرصة عليكم ان لا تضيّعوها».

 

والمقصود بالفرصة، قبول عون بالتنازل عن مقعد سنّي من حصّته، وقبول الحريري بمبدأ تمثيل النواب الستة ولو بشخصية يسمّونها من خارجهم. وصلت «النصيحة»، واستجاب لها «اللقاء التشاوري» الذي كان في منتهى الايجابية مع ابراهيم، واضعاً أكثر من أسم بتصرّف رئيس الجمهورية.

مَن الرابح ومَن الخاسر في حصيلة «مقاصّة» الحل؟

 

يعتبر أحد رعاة التسوية، أنّ سرّ نجاحها يكمن في «توازن التنازلات»، الأمر الذي أفضى، برأيه، الى معادلة لا غالب ولا مغلوب، وفق الاستنتاجات الآتية: خسر عون مقعداً من كيسه وربح إنقاذ عهده، وتخلّى باسيل عن طموح «الثلث المعطّل» وكسب دور الوسيط، وتراجع الحريري عن رفضه وجود مكوّن سنّي حليف لـ»حزب الله» وسوريا في حكومته وحافظ على ماء وجهه عبر تجنّب توزير احد النواب الستة وعدم انتزاع مقعد من حصّته، وخفّض «اللقاء التشاوري» سقفه الى حدود القبول بتمثيله مداورة وانتزع اعترافاً بحيثيته في الطائفة السنّية.

 

وماذا عن «حزب الله»؟ يعتبر أحد القريبين منه، انّ أهم ما انجزه هو أنّه خرق احتكار «المستقبل» للتمثيل السنّي في الحكومة، وكرّس الحق الوزاري لحلفائه السنّة بعدما انصفهم نيابياً من خلال قانون النسبية.