عادت الحكومة الى اللجنة الوزارية التي سبق أن كلفتها باختيار مشروع قانون للانتخابات من بين الصيغ والمقترحات المتداولة والتي تعدى عديدها العشرين، ثم سحبت من يدها الملف.
ولم يوضح احد او يفسر، لماذا لم يُترك اجتراح مثل هذا القانون على عهدة اللجنة الوزارية التي شكلت برئاسة رئيس الحكومة، ليدوخ اللبنانيون بين اللجان الحزبية والسياسية الثنائية والثلاثية والرباعية واخيرا الخماسية، وبين المقترح التأهيلي الذي رست عليه سفينة افكار الوزير جبران باسيل، او المختلط الذي اقترحه الرئيس نبيه بري، قبل تحوله الى النسبية مع الدوائر الانتخابية المتوسطة، او النسبي بالكامل، الذي طلع به حزب الله مع الدائرة الواحدة، قبل ان ينفض الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله يده من هذه المعمعة، ويعلن بالمونة على الرئيس بري، القبول بأي صيغة قانون تنصف المسيحيين ولا تظلم الدروز.
وقارب المأزق الانتخابي شفير الهاوية، عندما اندلع صراع القوى السياسية، بين داع للعودة الى القانون النافذ، اي قانون الستين، وبين مهدد بالفراغ، او متحفز للتمديد، الذي تبلور على صورة اقتراح القانون الذي أعده النائب نقولا فتوش، ليرفعه الرئيس بري بوجه الملوحين بالفراغ التشريعي، وقد حدد جلسة اقراره، التي اطاحها الرئيس ميشال عون بسلطة المادة ٥٩ من الدستور والتي تعطي رئيس الجمهورية حق تأجيل الجلسة التشريعية مرة واحدة، ولشهر كامل.
وفيما كان التمديديون يعدون الايام تنازليا، باتجاه ١٥ ايار، موعد جلسة تشريع التمديد الثالث احتدم الكباش بين فريق الوزير باسيل المتمسك بمبدأ التصويت على مشروع قانون الانتخاب في مجلس الوزراء، وفريق النائب وليد جنبلاط المتمسك باعتماد التفاهم في اقرار القوانين ولئن كان ثمة نص يجيز التصويت في الدستور، حفاظا على الميثاقية وحماية للشراكة الوطنية، جاء خطاب السيد نصر الله في يوم جريح حزب الله، هادئا ومهدئا، وتبعه الكلام التجاوبي الواضح للرئيس نبيه بري، وتلاهما تعقيب جنبلاط على خطاب نصر الله الذي وصفه بالايجابي والدقيق، وسرعان ما انفرجت الاسارير واتسعت الابتسامات، ووجهت الدعوة لاجتماع مجلس الوزراء الذي انعقد الخميس، بنصاب كامل، بعد غياب ثلاثة أسابيع، وسرّبت أخبار نيابية عن امكانية تأجيل الرئيس بري لجلسة تشريع التمديد، التي طارت عمليا بالأمس، لمجرد التسجيل في محضر جلسة مجلس الوزراء، رفض التمديد لمجلس النواب، مع تمسك الرئيس عون بالتصويت في مجلس الوزاء، كاجراء يفرض نفسه، تجنبا للفراغ…
هذا الانقلاب الايجابي في المسار الانتخابي، رغم كونه لا زال في البدايات، وثمة أطراف لا زالت تقابله بحذر وشك، كان لافتا في توقيته، وفي اتساع نطاقه، إذ ما الذي عدا مما بدا حتى يطير القانون التأهيلي، وتسبقه النسبية بالكامل، والناقص، ويتبخّر التمديد، وتبعث الروح باللجنة الوزارية لتعاود القيام بما هو من صلب مهامها، بدل الاتكال على قانون كل من يده له؟!..
هذه المتغيرات وجدت تفسيرها عند وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي لطالما لفت الى انشغال الخارج عن الداخل اللبناني… المشنوق قال: الفراغ التشريعي في لبنان ممنوع بقرار اقليمي… وقد أيّد الوزير السابق مروان شربل هذه المعلومة، وأضاف: الفراغ قد يقود الى انهيار سياسي واقتصادي وأمني، لذلك كانت هذه اليقظة المتأخرة…
وفي هذا السياق يروي الرئيس فؤاد السنيورة ان حاكما، غضب على أحد أبناء الرعية، وقرر معاقبته مخيّرا إياه بثلاث: ان يأكل مئة قرن فلفل حرّ، أو مئة جلدة، أو يدفع مئة ليرة ذهبية!…
المحكوم عليه اعتقد ان المئة قرن حرّ هي الأوفر والأفضل، لكن صراخه ارتفع عندما وصل الى الأربعين قرن… وصار يترجّاه ليستبدل الحرّ بالجلد…
لكن حين بلغ عدد الجلدات الأربعين راح يصرخ مجددا، من شدّة الألم، ورفع يديه. مناشدا الحاكم وقف الجلاّد مبديا كل الاستعداد لدفع المئة ليرة ذهبية…
والعبرة في هذه الحكاية، انه بدل كل هذا الدوران في غياهب قوانين الانتخابات، لماذا لم تركن الأمور الى مجلس الوزراء من الأساس، ألم يكن أفضل من كل هذا اللعب على حافة الهاوية السياسية والوطنية؟