«حزب الله» عزل حساباته الإقليمية عن الوضع السياسي الداخلي
تخالف مقولات بعض المسؤولين والسياسيين « أنَّ لبنان مقبل على تغييرات كبيرة في المنطقة، وانه قد يتعرض لحصار سياسي عربي وغربي بسبب حزب الله»، ما يقوله كل المسؤولين والسفراء العرب والاجانب عن حرصهم وحرص دولهم على دعم استقرار لبنان الامني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، بل ان دول الغرب بشكل خاص تدفع باتجاه تثبيت هذا الاستقرار، و«تغض النظر» عن كثيرمن الامور التي لا تعجبها او لا توافق عليها مثل موضوع سلاح» حزب الله» ودوره في سوريا، وتعتبر انه بات امرا واقعا في المعادلة الاقليمية القائمة لا يمكن تجاهله.
وبغض النظر عن صحة كلام البعض حول الخلاف على سلاح الحزب، فإن جهات سياسية من فريق المقاومة لاحظت ان الكلام عن السلاح والاستراتيجية الدفاعية ينام فترة ثم يصحو كلما انجز «حزب الله» امراً يعرقل او يخرب او يجهض بعض المشاريع او الحسابات الاقليمية والدولية في سوريا والجوار، فباتت الاستراتيجية الدفاعية مطلباً «غب الطلب»، وتسأل المصادر: لماذا نام الحديث عن الاستراتيجية الدفاعية كل هذا الوقت منذ نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان، ولماذا استفاق عليه البعض الان بعد معركة تحرير جرود عرسال و«ترييح» البلدة واهلها من سطوة المسلحين الذين صادروا قرارها ورغبتها بالحياة المستقرة، كما صادروا املاكهم وارزاقهم وقتلوا ابناءهم؟
وتضيف المصادر: اذا كان ثمة من يخشى من استخدام «حزب الله» انتصاره في الداخل اللبناني استثماراً سياسياً، فقد اثبتت الوقائع ان الامر ليس كذلك، ولو اراد الحزب لكان استثمر منذ زمن طويل او على الاقل منذ احداث 7 ايار 2007، لفرض شروطه حول انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، بل ظهر ان الاطراف السياسية الاخرى هي التي استفادت اكثر من الحزب من مقررات واتفاقات مؤتمر الدوحة وقتها، سواء في الانتخابات النيابية او في تشكيل الحكومة.
و لكن هذا الفريق يُقر ان «حزب الله» عزل حساباته الاقليمية عن الوضع السياسي الداخلي، وهو متمسك بخياراته الاقليمية غير ملتفت للصراخ والاعتراض في الداخل اللبناني، لكنه يحاول طمأنة الداخل بأن انتصاراته على الارهاب انما هي انتصارات لكل لبنان ولكل شعبه ومن يرفض هذه «الهدية» فهذا شأنه، لذلك كان قرار الحزب بتسليم المواقع التي حررها من «جبهة النصرة» في الجرود القريبة من بلدة عرسال الى الجيش اللبناني، وترك معركة تحرير جرود رأس بعلبك والقاع القريبة من القرى اللبنانية للجيش ايضاً، من باب طمأنة الداخل الى انه لا يريد أن يفرض معادلات وشروطاً سياسية تناسبه.
ويبدو ان معظم الاطراف أقر بأن موضوعاً حساساً ومهماً واستراتيجياً مثل موضوع سلاح المقاومة وسواه من مواضيع كتعديل بعض المواد الدستورية التي اثبتت التجربة انها غير واضحة او غير كافية، بحاجة الى حوار وطني جامع لا يستثني احداً، ولكن تختلف تعبيرات القوى السياسية عن الحاجة الى مثل هذا الحوار الجدي او في تسميته بالشكل، فمنهم من يسميه حواراً وطنياً ومنهم من يسميه مؤتمراً تأسيسياً، ومنهم من دعا الى مؤتمر وطني جامع حول المواضيع الخلافية الاستراتيجة، وفي الحصيلة الجميع مقتنع انه لا بد من ان يجلس جميع الاطراف الممثلين في المجلس النيابي وفي الحكومة والقوى الاخرى من خارج المجلسين، الى طاولة واحدة للتفاهم على مواضيع الخلاف ومنها الاستراتيجية الدفاعية الوطنية، التي كادت ان تقترب طاولة الحوار في بعبدا وفي عين التينة من التفاهم حولها، لولا تطورات داخلية وخارجية وقتها أجلت البت بها ومنها الازمة السورية والشغور الرئاسي لاحقاً.
ولولا ادراك وزير الداخلية نهاد المشنوق لأهمية وحساسية مثل هذا الموضوع، وان بتّه لا يتم فقط في الداخل بل في الخارج ايضا، لما قال في مقابلته التلفزيونية الاخيرة: «أنه يجب أن نحاول مع الغرب من أجل المزيد من الدفاع عن أنفسنا، وتحسين وضعنا الإقتصادي والأمني والمالي، ومن الطبيعي أن يزور الرئيس سعد الحريري موسكو أو باريس وغيرها من العواصم من أجل المفاوضات وتحسين موقف لبنان». وهو ما فعله الرئيس الحريري في واشنطن عندما اعلن رفضه لسلاح الحزب، لكنه اقر ان «حزب الله» موجود في اللعبة السياسية الداخلية وهو ممثل في الحكومة، وهو امر تقر به معظم حكومات اوروبا وحتى اميركا وتتعامل معه لو ضمناً كأمر واقع يحمي استقرار لبنان المطلوب خارجياً خلافاً لجو التهويل الداخلي المفتعل.
