قد يكون على القوى السياسية التي اختارت عدم الاشتراك في حكومة الرئيس حسان دياب، وهي قوى وازنة سياسياً وعددياً في الشارع والمجلس النيابي وعلى الصعيدين الطائفي والمناطقي ألا تستغرب أن تلد تركيبتها من لون واحد. هذه ليست تهمة، بل هي أمر واقع تفرضه المعادلة السياسية، بعد أن تبين أن الائتلاف الحاكم الذي كان جمع هذه القوى مع “اللون الواحد” منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً عام 2016، لم يعد قابلاً للحياة، وبالتالي تفرّق العشاق الذين اجتمعوا على حب التسوية التي سقطت.
وقد يكون على هذه القوى التي ستكون خارج هذه الحكومة ألا تستغرب أن يرفض أركان “اللون الواحد” صيغة حكومة الاختصاصيين المستقلين التي كان رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري اشترطها، أو اقترحها برئاسة غيره، قبل أن يعتذر مرتين عن تولي المهمة، ثم يمتنع عن تسمية من يؤيده، بسبب رفض شركائه لها. فحكومة الاختصاصيين، المستقلين بالفعل، لا بالقول (كما هو حاصل مع اللائحة المتداولة لحكومة دياب)، فضلاً عن أنها كانت ستستجيب لتطلعات الانتفاضة الشعبية ضد الطبقة السياسية برمتها، فإنها في الوقت نفسه، كانت ترمز إلى تجميد التسوية التي أنتجت الرئاسة والائتلاف الواسع الذي لحقها في السلطة بما كانت تعنيه من تقاسم للمغانم الذي نجم عنها والتجاذب على المواقع.
كانت حكومة الاختصاصيين المستقلين، لو تحققت، لِترمز إلى تعليق الأرجحية التي سادت في التركيبة الحاكمة لمصلحة “حزب الله” – “التيار الوطني الحر”. فهي حكومة قامت فكرتها على فرضية أنها موقتة من 6 إلى 8 أشهر، أو سنة على أبعد تقدير تنجز خلالها إصلاحات ملحة من أجل استدراج الدعم المالي الخارجي، لتسلم السلطة إذا نجحت أو فشلت، لحكومة سياسية لاحقاً. “تعليق” الأرجحية في الائتلاف الذي تولى السلطة، كان يعني أن يستفيد لبنان من وقت مستقطع، يجري خلاله تحييد البلد عن صراعات المنطقة كي يقبل المجتمع الدولي والمحيط العربي بإعانته مالياً. لا يبدو أن هناك استعداداً لمنح البلد أي وقت مستقطع في هذه الظروف، خصوصاً بعد اغتيال الضربة التي وجهتها الإدارة الأميركية لإيران باغتيال مهندس نفوذها في الإقليم اللواء قاسم سليماني. وبالتالي يستحيل إعطاء دياب ما رفض ركنا الائتلاف السابق أي “حزب الله” و”التيار الحر” كل لسببه، ما سبق أن رفضاه للحريري، مهما جرت محاولة تجميل تشكيلة المحاصصة التي يحضر لها دياب. فالمرشد الأعلى في إيران السيد علي خامنئي اعتبر قبل 4 أيام أن “أميركا تريد أن تجعل من سوريا ولبنان تحت سيطرة الحكومات التابعة لها والعميلة”، موحياً بذلك أن على حلفائه رفض تغيير المعادلات القائمة في الدولتين.
هناك سبب آخر يدعو إلى عدم استغراب قيام حكومة اللون الواحد، وعودة صيغة المحاصصة وتقاسم المواقع في الحكومة العتيدة كأن شيئاً لم يكن. فـ”التيار الوطني الحر” يتوزع بين فئة تحيط برئيس الجمهورية غارقة في حالة من الإنكار لموجبات تغيير أسلوب التعاطي مع المتغيرات التي فرضتها الانتفاضة الشعبية، وبين فئة يتقدمها رئيسه الوزير جبران باسيل، الذي يعتقد أن عليه الإفادة من خروج فرقاء من التسوية من أجل التفرد بمواقع السلطة. والأهم أن باسيل يعتقد أن الضربة التي تلقاها من جعله رمزاً للسلطة الفاسدة من قبل الانتفاضة الشعبية، ومن انفراط تحالفه مع الحريري، بعد سقوط تفاهمه مع حزب “القوات اللبنانية” قد بددت حلمه بأن يكون المرشح الطبيعي للرئاسة بعد عمه. ولذلك يلجأ إلى الأسلوب الذي يتوهم بأنه يمكنه من استعادة القدرة على فرض نفسه بترسيخ أرجحيته ضمن “اللون الواحد” عبر الثلث المعطل في حكومة دياب، لأن المدرسة التي نشأ عليها هي الإمساك بورقة التعطيل لتحقيق الهدف. أما الأزمة الاقتصادية المالية فهي آخر الهموم…