Site icon IMLebanon

زلّة لسان توم برّاك

 

تعود «وحدة المسار والمصير»، بالمعنى السلبي، بين سوريا ولبنان لتطلّ برأسها، وللأسف وفق معادلة الدم بالدم، وبتقاطع مصالح إقليمية، وربما برعاية أميركية كشفتها زلّة لسان الموفد الأميركي توم برّاك بحديثه عن «بلاد الشام».

 

فما يحصل بين دروز السويداء والعشائر العربية قد يشكّل بوابة لهذه العودة، إن تفاقم الصراع الحالي بين الطرفين، وعجزت الدولة السورية عن وقفه وبسط سيادتها، ليتمدّد وصولًا إلى لبنان، في حال نشطت الخلايا التخريبية المتضرّرة من سقوط النظام الأسدي، ومع تقاعس الدولة اللبنانية عن الالتزام بخطة واضحة لنزع السلاح غير الشرعي المنتشر على الأراضي اللبنانية، سواء بيد «حزب اللّه» أو الفصائل الفلسطينية، أو الأحزاب والجماعات التي لا وجود ولا حيثية لها إلّا بالفوضى الأمنية.

 

فالنشاط الإسرائيلي المتحفّز لابتلاع المزيد من الأراضي السورية بادّعائه حماية الدروز، يشي بمخطط لم يتوقف أصلًا، لتعزيز حلف الأقليات، تحت شعار الحماية، واستدراج الطوائف «الخائفة» إلى مذابح وجرائم إبادة سواء بحق الأكثرية، أو بحق بعضها البعض، كما كانت الحال في لبنان خلال الحرب الأهلية، لدفع الطوائف إلى التطرّف والانخراط في دورة الدم بالدم، وإلى إطلاق النفير العام لنجدة جماعاتها، كما تفعل عشائر البدو، التي تطالب «الحكومة السورية بعدم التدخّل أو عرقلة تحرّك المقاتلين الذين يمارسون حقهم المشروع في الدفاع عن المظلومين».

 

فالهدف الأوحد والمستمرّ للقادة الإسرائيليين منذ 1948، كان ولا يزال إقامة دويلات طائفية في المنطقة، تتقاتل وتتنابذ، ليبرّروا بقاء دولة «يهودية» صافية، ويواصلوا اعتداءاتهم على دول الطوق بحجة الدفاع عن النفس. والمفارقة أن هذا الهدف وجد من ينبري لتحقيقه من القوى الإقليمية، سواء أكانت إيران التي سعت لتصدير ثورتها منذ قيام جمهوريتها الإسلامية، لتنشر هلالها الشيعي وتنشئ له أذرعه الميليشياوية التي قوّضت دولها، أم النظام الأسدي العلوي الذي نكّل بالطائفة السنية التي تشكّل أكثرية الشعب السوري، وخلَّف مظلوميّة تحتاج أجيالًا لمحو تداعياتها…

 

فالعدوّ الإسرائيلي يهتمّ باستغلال أقليات تشعر بالخوف من الأكثرية لأغراض سياسية وأمنية من خلال قضم الأراضي السورية واللبنانية. هكذا فعل في لبنان ليتخلّص من منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا ما يقوم به حيال دروز السويداء، لينفّذ مخططًا قديمًا لتقسيم سوريا حتى لا تكون دولة قوية.

 

وبالطبع لا يعارض أصحاب مشروع «وحدة المسار والمصير» التخريبي وليس الإيجابي، بالهدف الإسرائيلي، بل يتواطؤون معه إذا ما استدعت مصلحتهم الخاصة ذلك. وقطعًا، هم لا يتوقفون عند عدد الضحايا ممن يدّعون حمايتهم، سواء أكانوا دروزًا، أو علويين، أو شيعة، أو مسيحيين.

 

المهم لدى إسرائيل ومن يتقاطع معها وإن ناصبها العداء، تكريس النفوذ، حتى لو استدعى ذلك قيام دويلات لأقليات بلاد الشام تشكِّل البديل عن الدول الحالية القائمة. لأن الاستثمار أجدى في كيانات مفخّخة ومتفجرة لا حياة ولا مستقبل لها.