لم يكن لقاء ألاسكا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين اجتماعًا عابرًا على هامش الأزمات، بل مواجهة سياسية على أرض محايدة، حملت في طياتها ملفات الحرب والسلام من أوكرانيا حتى الشرق الأوسط. على الطاولة، كان الملف الإيراني حاضرًا بثقله الكامل، متشابكًا مع أذرع طهران في العراق ولبنان، ومعادلة السلاح والنووي والعقوبات.
في الكواليس، برزت ملامح صفقة كبرى، لا تقوم على التفاهم التقليدي بين موسكو وطهران، بل على تحالف روسي – إسرائيلي برعاية أميركية غير مسبوقة. جوهر هذه الصفقة: انسحاب إيران من ساحات نفوذها في لبنان والعراق وسوريا، مقابل رفع تدريجي ومنظم للعقوبات عنها، مع الإبقاء على حق محدود للتخصيب النووي تحت رقابة دولية صارمة ودائمة. الثمن المباشر هو تفكيك الميليشيات التابعة لإيران، وعلى رأسها “حزب الله”، ونزع سلاحها بالكامل، بما يشمل الصواريخ البعيدة المدى وشبكات التصنيع والتخزين التي أنشأها خلال العقود الماضية، إضافة إلى إنهاء خطوط الإمداد البرية والجوية بشكل كامل.
في لبنان، سيُترجم هذا الاتفاق بخطة واضحة ومحددة: استبدال قوات “اليونيفيل” بالشرطة العسكرية الروسية على طول الحدود الجنوبية، لتصبح موسكو هي الجهة التي تتولى عمليًا ضبط الحدود بين لبنان وإسرائيل، وكذلك في جنوب سوريا. هذا الترتيب يمنح إسرائيل ضمانة أمنية مباشرة على مدار الساعة، ويحوّل روسيا إلى الحارس الجديد للحدود الإسرائيلية، بما يشمل إقامة نقاط مراقبة دائمة، ومراكز قيادة مشتركة، ودوريات مستمرة على طول الخط الأزرق والجولان.
اللقاء في ألاسكا لم ينتج اتفاقًا معلنًا، لكنه أعاد إلى الأذهان لقاء بوش وجاك شيراك في نورماندي عام 2004 الذي غيّر الشرق الأوسط. واليوم، الصفقة الجديدة تحمل نفس الطابع التاريخي لكن بمسار مختلف تمامًا: روسيا لن تكون حليفة لإيران، بل لإسرائيل، والنتيجة أن القوات الروسية ستحل محل “اليونيفيل”، والسعر هو سلاح “حزب الله” وميليشيات العراق، مع تفكيك البنية اللوجستية التي تربط هذه المجموعات بطهران، وقطع أي نفوذ إيراني عبر الممرات والمعابر الحدودية.
وسيتم توقيع اتفاق شامل يرسم حدود الشرق الأوسط الجديد، من لبنان إلى سوريا، ومن إيران إلى أوكرانيا، في إطار صفقة أوسع تشمل الاعتراف الرسمي بسيطرة إسرائيل على مكاسبها في الجولان والحدود الجنوبية، مقابل منح روسيا الساحل السوري بكامله وتحويله إلى قاعدة نفوذ عسكري واقتصادي دائم، مع دور رسمي كقوة حدود بين إسرائيل وجيرانها الشماليين، وضامن لأي تسوية قادمة وحارس لمعادلة الردع الجديدة.
هذا الاتفاق، إذا تم، سيضع حدًا نهائيًا لحقبة الميليشيات كأداة نفوذ إيراني، وسيدشن مرحلة تحالف روسي – إسرائيلي يرسم ملامح شرق أوسط جديد. إيران ستجد نفسها أمام واقع استراتيجي مختلف، مجبرة على الانكفاء داخل حدودها، بينما تتوزع أوراق القوة بين واشنطن وموسكو وتل أبيب، في خريطة سياسية وعسكرية قد تبقى مؤثرة لعقود طويلة، وتغير جذريًا موازين القوى التي حكمت المنطقة منذ عقود مضت.
