Site icon IMLebanon

معضلة أميركا بين حلم الديكتاتورية الترامبية والإمبراطورية الضائعة

 

في شباط 2020، وأثناء ترويج الممثل هارسون فورد فيلمه الجديد في مدينة مكسيكو الأميركية، قال إن «أميركا قد خسرت قيادتها الأخلاقية وصدقيتها في العالم».

صرخة هارسون نابعة من واقع ما تشهد عليه بلاده التي خسرت ما لم تتمتع به يوماً، ما يعني أنها خسرت «التوهم» بالتمتع بقيادة العالم أخلاقياً، ولكن هل هي على أعتاب خسارتها لقيادة النظام العالمي؟

 

في الممارسة العملانية لسياساتها العالمية تطبق واشنطن التعاطي الفوقي مع المجتمعات، وتقود النظام الدولي على أساس القوة. لقد خرج علينا المسؤول السابق في البنتاغون، مايكل ليندي، ليؤكد ذلك، من خلال تسويغه لمذهب القوة اللامتناهية، حتى لو أدّى الأمر بالولايات المتحدة إلى أن تقوم كل عشر سنوات باختيار بلد وتدمّره، وذلك لغاية وحيدة فقط أن تظهر للجميع أنها جادّة في أقوالها.

ليس بعيداً عن ما سوّق إليه ليندي، عن ما طرحه علينا الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الثانية، ليقدّم لنا رؤية بلاده الخارجية التي ترتكز على مبدأ فرض السلام بالقوة. لهذا اعتبر ترامب إن استخدام القوة تجاه طهران ستأخذها حتماً إلى التوقيع على السلام في المنطقة بحسب الشروط الأميركية التي ترتكز على عدم السماح لإيران بامتلاكها القنبلة الذرية.

يجسّد ترامب تلك الشخصية الجديدة لمعلّم سياسي بذيء بوقاحة في ازدراء القواعد الأساسية للياقة والانفتاح الديمقراطي، هو الذي يسعى إلى فرض شخصية دكتاتورية متعالية في الداخل الأميركي كما على الخارج. شخصية تعمل على كسر مفهوم الديمقراطية الأميركية على حساب تأسيس ديكتاتورية ترجمت في أشكالها المختلفة، على رأسها القرارات التي اتخذتها المحكمة العليا الأميركية التي منحته انتصاراً كبيراً في حزيران الماضي، عندما أمرت في الحدّ من صلاحية القضاة الفيدراليين في إصدار أوامر تعلّق على المستوى الوطني قرارات السلطة التنفيذية.

 

أحدثت شخصية ترامب اللاهثة نحو تكريس الأحادية السلطوية في إيجاد جدلية معارضة دفعت بأحد أبرز داعميه السابقين، الملياردير الأميركي إيلون ماسك، إلى الإعلان عن تشكيل «حزب أميركا»، قائلاً للأميركيين إن الحزب تشكّل «ليعيد لكم الحرية». موجّهاً سهام الاتهام إلى ترامب وإدارته، موضحاً أنه «عندما يتعلق الأمر بإفلاس بلدنا بالإسراف والفساد، فإننا نعيش في نظام الحزب الواحد، وليس الديمقراطية».

قد يتمكن ماسك من كسر الاحتكار الحزبي للسياسة الأميركية، التي لطالما انقسمت بين جمهوري وديمقراطي. لكنّ الأهم يكمن في خطورة الذهاب بالولايات المتحدة نحو انقسامات داخلية قد تنذر في بروز حرب أهلية باتت معالمها تلوح في الأفق، أو على الأقل وجود أزمات داخلية عمدت واشنطن إلى اتباع سياسة «الإلهاء» أي تحويل الرأي العام من القضية الرئيسية إلى قضايا دولية منها الحرب في الشرق الأوسط وملف إيران النووي.

في الوقت الذي تمرّ الولايات المتحدة بـ«تلبكات» داخلية ترتبط بالفوضوية الذاتية، تشهد الساحة الدولية تغييرات على مستوى إعادة بناء النظام القائم، وتشكيله بما يناسب مع مصالح المؤسسات والمجموعات الصاعدة. فإن الدعوة لوزراء مالية مجموعة بريكس للاقتصادات الناشئة، الخميس 4 تموز الجاري، إلى إصلاح صندوق النقد الدولي، بما في ذلك توزيع جديد لحقوق التصويت وإنهاء تقليد الإدارة الأوروبية على رأس الصندوق.

ويمثل البيان المشترك لوزراء مالية المجموعة المرة الأولى التي تتفق فيها دول البريكس على موقف موحّد بشأن الإصلاحات المقترحة. هذه الإصلاحات يجد فيها البعض من المتابع إنها قد تؤسس لمرحلة جديدة من صعود دولي يرتكز على كسر النمطية التي سيطرت على النظام الدولي ومؤسساته من جهة فرض الهيمنة الغربية.

لم تنتهِ الحرب في أوكرانيا كما أرادها ترامب، فهي تأخذ فصولاً جديدة من الحروب حيث تشير التقارير الميدانية على تقدم القوات الروسية في مناطق في العمق الأوكراني. فإن أهداف العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا قد تعدّلت، وإن نيّة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في إقامة المنطقة العازلة باتت واقعاً مفروضاً مع التقدّم الكبير الروسي.

روسيا التي تشعل حربها مع الدول الغربية على أرض أوكرانية، انتقلت عدوى الصراع مع الغرب إلى الحليف الصيني لروسيا. حيث أعلنت هيئة الطيران المدني الصيني الأحد أنها افتتحت امتداداً ثالثاً لمسار الطيران إم 503، والذي كان لسنوات موضع شكاوى من تابيه (المدعومة غربيا) بسبب موقعه غرب خط فاصل غير رسمي في مضيق تايوان. ويأتي افتتاح توسعة الخط قبل أيام من مناورات هان كوانغ السنوية للجيش والدفاع التي تجريها تايوان لمحاكاة حصار وغزو صيني للجزيرة.

لا يجيد ترامب معالجة القضايا العالقة مع أعدائه كذلك مع حلفائه بلاده التقليديين، إذ أبدى وزير الاقتصاد الفرنسي إريك لومبار السبت 5 تموز الجاري، تفاؤله بإمكانية الوصول لاتفاق مع واشنطن «خلال أسبوع»، لتفادي تنفيذ الرسوم العقابية الجمركية العقابية، معتبراً أن إخفاق المحادثات سيستدعي من الاتحاد الأوروبي الردّ «بقوة أكبر». إن حالة «الشقاق» باتت واضحة داخل التكتل الغربي، ما ينذر بالافتراق إن لم نقل الطلاق في ظل انعكاس ترامب لشخصيته المتعالية على حلفائه الدوليين.

لا يتعلق الأمر فقط في الصعود الواضح لهذه القوة، لكن التجارب على صعيد «تلاقي» المصالح الدولية أكدت على صحة الأراء الشائعة عند مراقبي السياسة الدولية من «أن أميركا حليف غير موثوق»، فهي في أغلب الأحوال قصيرة النفس في تحالفاتها وغير مخلصة لحلفائها إلّا لزمن، وإلّا لمقدار، ولهذا فإنها سرعان ما تتخلّى عن الحليف وتخذله حالماً يدهمه الخطر أو حالما يبدو أن مدة صلاحيته قد انتهت. أما روسيا سواء في العهد السوفييتي ام في العهد البوتيني الحالي، فإنها أطول نفساً في تحالفاتها وأشدّ إخلاصاً لحلفائها، أو ربما كان الأصح القول إنها أقل غدراً بهم. وهذا ما ترجم عملانياً في العلاقات الإفريقية – الأميركية، والإفريقية – الروسية والصينية التي شهدت تقدّماً ملموساً على حساب الأولى.

لا نهايات لقضايا على الساحة الدولية استطاعت إدارة ترامب إيصالها إلى خواتيمها النهائية، كذلك الأمر بالنسبة إلى القضايا الداخلية التي أثارها ترامب منها قضية ترحيل المهاجرين غير الشرعيين ما وضع بعض الولايات على خط المواجهة وخلق الفوضى مع الإدارة المركزية. لهذا بات الموضوع يطرح نفسه حول أي مصير للولايات المتحدة في ظلّ إصرار ترامب على إن القوة العسكرية أو الاقتصادية هي الطريق الأقصر لمعالجة القضايا مستبعداً الحوار الجادّ الذي يرتكز على مبدأ احترام الأخر المختلف؟