Site icon IMLebanon

التحذير من توسّع الدور التركي: أمني أم سياسي؟

 

بات السؤال عن الدور التركي في لبنان يحتل مساحة من الحوارات السياسية، فبعد المقابلة التي أجراها نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم وأشار فيها إلى طموح تركي بأن يصبح للأشخاص المرتبطين بها شمال لبنان نفوذ ووزن نافياً إمكانية التوسّع في هذا الدور، أطلّ رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل أول من أمس ليتحدّث عن دور أمني لأصدقاء تركيا، مشيراً إلى تغطية من أجهزة أمنية. فإلى أي حد يمكن الحديث فعلاً عن دور أمني تركي؟ ومن هي الأجهزة الأمنية المتواطئة مع هذا التمدّد؟ وهل هو اتهام سياسي أم مبني على وقائع آثر باسيل عدم الإفصاح عنها؟

 

في العام 2010، زار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لبنان، وشملت زيارته يومذاك بلدة الكواشرة في الشمال وحظي باستقبال واسع شارك فيه لبنانيون لا يزالون يتكلمون اللغة التركية، واعداً إياهم باستعادة جنسيتهم التركية كما اطّلع على سير الأعمال الترميمية لآثار تعود إلى الحقبة العثمانية أبرزها التكية المولوية وساعة السلطان عبد الحميد في ساحة التل في طرابلس. شكلت هذه الزيارة بداية للحديث عن الدخول التركي إلى الملعب اللبناني، من باب استعادة حضور مضى عليه الزمن. والزيارة العابرة تلك، استمرت آثارها وتوسعت بالنظر الى ظروف لبنان الصعبة والمتقلبة، وقد بلغت مداها مع انكفاء الراعي السعودي، ما سمح للتركي بتوسيع طموحه لحجز مكان له في العمق اللبناني – السني. ويبدو أن الحضورالتركي بلغ مرحلة من التأثير دفعت رئيس “التيار الوطني الحر” إلى التحذير من تمدّد تركي سياسي ومالي وأمني في لبنان منبّهاً من “أن هناك قادة أجهزة حاليين على علم بذلك ويسهّلونه وهم 3 من أصل 6 وعندما فتح الموضوع في المجلس الاعلى للدفاع مارسوا الوشاية على من تكلّم”. وتشير مصادر متابعة إلى أن ذكر اسم رئيس فرع مخابرات الشمال الضابط كرم مراد يعني أن اتهام باسيل موجه بالدرجة الأولى الى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، وهو يظهّر بذلك الخلاف معها الى العلن إذ اتهم باسيل ضمناً هذا الجهاز بتسهيل التوسع التركي في الشمال.

 

 

 

اتهام لم تجد له مصادر أمنية معنية بالملف مبرّراً: “المعطيات الموثقة لدى الاجهزة الامنية المختصة لا تتحدّث عن دور أمني تركي في الشمال. ولنفترض أن جهازاً أمنياً قصّر، فلماذا لم يكشف الوقائع التي تحدّث عنها باسيل أي جهاز آخر من الأجهزة المتواجدة على الارض؟”. ولا تجد هذه المصادر في هذه الاتهامات “الا وجود خلفيات سياسية مرتبطة بمحاولة باسيل قطع الطريق امام التمديد لمدير المخابرات الذي تنتهي ولايته في نهاية السنة الجارية، لتقول: “لسنا ادوات للتركي ويبدو أن باسيل مخطئ في العنوان”. وهذا الجو عبّر عنه ايضاً اللواء أشرف ريفي في تغريدة له أمس قائلاً: “باسيل يُصفّي حسابات مع قادة أجهزة أمنيين ويتهمهم زوراً لمجرد أنهم لا يعملون عنده، لكنه أعجز من أن يتلفظ بأسمائهم”. أما في ما يتعلّق باجتماع المجلس الأعلى للدفاع فتلفت المصادر إلى أن “المجلس أثار خلال اجتماعه ما قبل الأخير دور اللواء أشرف ريفي، فطالب البعض بالتقدم بحقه بشكوى كي يأخذ القضاء مجراه”. لكن معلومات أخرى قالت ان هذا الاجتماع “شهد نقاشاً مستفيضاً لموضوع النفوذ التركي ربطاً بتورط مراد، وتمت لفلفته في محاولة لتغطية الأجهزة الأمنية على بعضها”.

 

 

لكن المقرّبين يتجاوزون التفاصيل المحلية لما قاله باسيل الى الحديث عن تنامي الدور التركي في المنطقة عموماً بدءاً من ليبيا الى سوريا فلبنان. وما الجانب الأمني اللبناني هنا إلا مجرد تفصيل لكنه قد يشكل أداة اذا لم يتم التنبه له. فلدى باسيل قراءة تقول ان تركيا – أردوغان أصبحت لاعباً يمكنه اللعب مع أو ضد الاميركيين، ومع أو ضد الروس وذلك حسب المناطق في مواجهة السعودية ومصر. وحين يحذّر رئيس اكبر تكتل نيابي من دور تركي في الشمال، يمكن التفكير في أنه قد يكون ينبّه كلّاً من السعودي والايراني من مغبة توسّع هذا الدور، والقول ان التركي يحاول ان يجد له موطئ قدم استراتيجياً من بوابة عكار والشمال ليكون جغرافيا سياسية تركية داخل الاراضي اللبنانية.

 

في توصيف المعنيين بهذا الملف فإن التركي يسعى جدياً ليكون له نفوذ في لبنان عبر بعض الشخصيات، وهذا واضح وجلي ولا يمكن إنكاره، وبناء على تمني احدى الشخصيات السياسية نشطت مؤخراً جمعيات تركية على خط تقديم المساعدات في الشمال من إعانات ومنح تعليمية. وليس هذا فحسب بل صار بالإمكان رصد محاولة تركية لمنافسة السعودية على الزعامة السنية، خلّفت أثراً واضحاً من خلال الإنقسامات الحاصلة في الفلك السني عموماً، لكن هل يتجاوز هذا الحضور الدور السياسي والاجتماعي إلى الدور الامني في لبنان خصوصاً في غياب واضح للدولة؟ يجزم متابعو هذا الملف باستحالة وجود أي تحرك أمني او محاولة تسليح لجهات ما، دون التمكن من رصدها. قد يكون الأمر عبارة عن محاولات تسلح فردية لكن ليس على مستوى جماعات منظمة، وإن جرى الحديث عن محاولة لتنظيم تنسيقيات جرت إثر انطلاق تحرّكات 17 تشرين لكنها وُئدت في مهدها. بين نفي وتأكيد، يبقى أنه لا يمكن نفي وجود طموحات تركية لموطئ قدم لها في حوض المتوسط وضمناً لبنان. ولكن هل يستطيع التركي فعل ذلك في ظلّ حضور سعودي متجذر واماراتي قديم؟