يتفق الافرقاء السياسيون وغير السياسيين، في غالبيتهم الساحقة، على ان لبنان واللبنانيين يمرون بمرحلة غير مسبوقة، على هذا القدر من التخبط والبلبلة وفوضى وغموض الخيارات، وهم على بعد 51 يوماً من الانتخابات النيابية المقررة في السادس من ايار المقبل، والتي تعززت أكثر من أي وقت مضى، في ضوء قانون الانتخابات الجديدة، حيث بات عديدون يلعنون الساعة التي ولد فيها هذا القانون الذي لن يأتي بجديد وإن أتى بأسماء جديدة.. خصوصاً وأن كل فريق يرى أنه هو المبتدأ والخبر، الاول والآخر.. وقد تعمقت التناقضات والتباينات والخلافات السياسية، وكل مقتدر مالياً وسياسياً وشعبياً يسعى لأن يحيك المجلس النيابي الجديد بما يتلاءم ومصالحه وارتباطاته الخارجية والداخلية، خصوصاً وان صورة الوضعين الدولي والاقليمي (بما فيها العربي)، قد وضعت الاستحقاق في مهب سيناريوات عديدة، متباينة ومتناقضة، وغير فريق يتطلع الى حدوث وقائع جديدة على ساحة المنطقة، لن يكون لبنان بمنأى عنها، قد تعيد خلط العديد من الأوراق.. لاسيما وأن هذا الخارج لم يبقَ بعيداً عما يجري في الداخل اللبناني، واتفاق العديد عن تعزيز قدرات «الدولة الشرعية» لتثبيت الاستقرار والبدء بمسيرة البحث في «الاستراتيجية الدفاعية بعد انجاز الانتخابات النيابية، كما أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وقد انطلق مؤتمر روما -2 أمس والمخصص من الناحية المبدئية، «لدعم قدرات الجيش والقوى الامنية اللبنانية..».
لا ينكر الجميع، من دون استثناء، حالة الترقب الحذر التي تسيطر على الساحة اللبنانية الداخلية، خصوصا مع عودة ارتفاع الضجيج الاميركي حول الملف النووي الايراني، بالتقاطع مع المناورات الاميركية – الاسرائيلية النوعية والمشتركة، التي تهدف الى تعزيز القدرات الاسرائيلية النوعية على مدى الساحة الممتدة من ايران الى العراق الى سوريا فإلى قطاع غزة ولبنان. وقد بلغ الاحتدام، حداً غير مسبوق على هذا القدر من اللهجات المرتفعة.. وإن تلقى لبنان من العديد من الدول الاوروبية بأنه سيبقى بعيداً عن هذه التطورات مع تشديد لافت على أمنه واستقراره، وهو ما ستظهره الأيام الآتية بشكل او بآخر..
لا تخفي مرجعيات عديدة مطلعة على التطورات أن مؤتمر روما -2 هو «مؤتمر سياسي بامتياز» قبل أن يكون مؤتمراً لدعم وتعزيز قدرات الجيش والقوى الامنية على الرغم من أهمية هذا البند على حاضر لبنان ومستقبله ومؤسساته العسكرية والامنية كافة.. وما سيصدر عنه «سيكون سياسياً..» وقد أكد الافرقاء كافة تمسكهم بقرار الحكومة «النأي بالنفس» الذي أقر في مجلس الوزراء باجماع مكوناته، على رغم «الخروقات» التي حصلت والتي قد تستمر مع استمرار الازمات الاقليمية، وتحديداً السورية منها.. وقد نقل وزير الداخلية والبلديات عن «معظم سفراء الدول المشاركة في المؤتمر، أنه «لمس ايجابية مطلقة لدعم لبنان..» وذلك على الرغم من قناعة عديدين بوجوب عدم توقع «مردود مباشر، حيث ان الخطط المقدمة ستناقش مع الجهات المعنية وتحتاج الى وقت.. وبالتالي، فإن على القوى السياسية في لبنان ان تحافظ على الاستقرار الداخلي للاستفادة من نتائج هذا المؤتمر..» الذي ما كان ليعقد لولا العديد من الالتزامات، بتوفير «السلاح الدفاعي» للجيش والقوى الامنية اللبنانية.. ولتوفير المناخات المطلوبة لاجراء الانتخابات النيابية، التي لم تتضح خطوط تحالفاتها المطلوبة، كفاية بعد، وهي مدار اخد ورد، وسيناريوات «ما أنزل الله بها من سلطان»؟ خصوصاً بين من يفترض – في المبدأ – أنهم «حلفاء»، ولو بالخطوط العريضة السياسية.. وقد أظهروا سقوفاً عالية من التباينات والافتراقات جعلت رئيس الحكومة سعد الحريري يخرج عن صمته قائلاً: «القوات (اللبنانية) بدن منجم مغربي»؟!
الوقت يضيق، والفترة المتبقية من مهلة الاعداد الالزامي للوائح الانتخابية لا تتجاوز العشرة أيام، وهي ستنتهي في السادس والعشرين من آذار الجاري.. ومع هذا فإن صعوبات كثيرة وشروط وشروط مضادة لا عد لها ولا حصر، تعترض سبيل هذه التحالفات المطلوبة، والناس، في غالبيتهم الساحقة، يعيشون حالة غير مسبوقة من البلبلة وعدم الوضوح والارتباك، وهم ينظرون الى هذه المسألة على أنها امتحان حقيقي لجدية ما يقال عن توافقات سياسية، ولو بالخطوط العريضة؟!.. وحتى اليوم، لا يبدي الافرقاء المعنيون، خصوصاً منهم المؤثرون، أية مرونة، ولم يظهروا سوى العجز عن ابتداع المخارج والحلول التي تزيل العقبات المانعة والمطالب التعجيزية، الصادرة من غير فريق، على رغم ما يحكى، عن تدخلات خارجية خصوصاً عربية وأوروبية، وتحديداً فرنسية.. ترمي لدفع الافرقاء كافة الى عدم رفع أسقف الشروط والمطالب واعتماد الأحجام الحقيقية بعيداً عن الكلام الانشائي والشعبوي الذي دأب عديدون على اطلاقه في مناسبة الاعلان عن أسماء المرشحين وهو كلام في نظر عديدين «شيكات بلا رصيد»؟!
من حق كل طرف وفريق ان يحشد كل عدته الانتخابية وتجميع أوراقه، من أجل توسيع دائرة حظوظه.. لكن ليس من حق أي أحد ان يضع الالغام في طريق اجراء انتخابات يفترض ان تكون مغايرة لسابقاتها.. وإلا فإن من حق المعترضين على القانون الجديد، ان يترحموا على ما فات..