مرحلة «اختبار النيات» تجمّد ملفات إقليمية
«المنطقة ما بعد الاتفاق النووي غير ما قبلها».
بهذه الكلمات تلخص أوساط متابعة للشأن الإقليمي مقاربتها لماهية المرحلة المقبلة على المنطقة.
لا شك بأن ثمة تقارباً أميركياً – إيرانياً اليوم أثمر اتفاقاً نووياً ملائماً لكل طرف بما يمكنه من ادعاء أنه قد تمكن من تحقيق الإنجاز فيه. اذ بينما تعتبر طهران نفسها رابحة لما ستجنيه من مكتسبات اقتصادية، مؤكدة أنها لم تفكر يوماً بإنتاج قنبلة نووية اتهمت على الدوام بالسعي اليها، لم يصدق الغرب وعلى رأسه واشنطن ذلك الدفاع الإيراني عن التخصيب النووي، معتبراً أنه تمكن من لجم الطموح النووي العسكري الإيراني.
هي اذاً قاعدة «الربح ربح»، على حد قول المتابعين لمراحل هذا الاتفاق وما أنتجه من واقع جديد في المنطقة. وبرغم ان الاتفاق قد اقتصر على «بنود نووية» بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، إلا أنه «قدم ايضا نموذجاً للكيفية التي من الممكن عبرها حل مشاكل المنطقة، مهما كانت معقدة»، برغم ان الاتفاق ينتظر محطتين أخيرتين في الكونغرس الأميركي ومجلس الشوري الإيراني، ولكن ذلك لن يشكل سوى «خطوة تقنية» لن تعترض ما تم التوصل اليه بإشراف القيادتين الأميركية والإيرانية.
عنوان المرحلة المقبلة سيكون «اختبار النيات»، اذ سيُخضع كل طرف الآخر الى فترة «تجريبية» ستستمر أشهرا، ستمهد الى مرحلة «الإقرار» للاتفاق ومن ثم مرحلة «التنفيذ،» أي مرحلة الاختبار الحقيقي وهي الأهم كونها ستبني الثقة، التي ستسمح بدورها بتوسيع التفاهمات لتشمل ملفات في المنطقة ابتداءً من العام المقبل.
يشير المتابعون الى ان إيران، القوة ذات النفوذ في المنطقة، الخاضعة للحصار وللعقوبات، ستتحول الى قوة كبرى بعد هذا الاتفاق في مرحلة «فك العزلة» الغربية عنها وعودتها الى الشرعية الدولية.
يقود هذا التحليل الى أن المرحلة المقبلة ستشهد عودة للعلاقة بين طهران والدول الغربية الكبرى، تمهيدا لمرحلة تطبيع يسبقها تنشيط وتعزيز لتلك العلاقة. فالزيارات الأوروبية المتتالية الى طهران تؤشر بوضوح الى هذا الواقع الذي سيترجم أيضا عودة إيرانية الى أداء دور فاعل في ملفات سعى الغرب الى إخراجها منها في المرحلة السابقة.
من هذه الملفات، الملف السوري الذي يقول المتابعون إنه من غير الممكن أن يمر أي حل على صعيده من دون موافقة، لا بل سماح إيراني، في ظل دعوات من قبل بعض الغرب لطهران لتصبح شريكاً في الحل. ومن المعروف ان طهران لا تزال تتمسك بالرئيس السوري بشار الأسد على رأس السلطة السورية، وهي تتقاطع بذلك مع الموقف الروسي الذي قيل الكثير عن تغيير فيه في موضوع التمسك باستمرار الأسد، لكن المتابعين يشيرون الى أن لا خلاف إيرانياً روسياً على ضرورة استمرار الأسد، مع قبول غربي على مضض بهذا الواقع، في ظل أولوية المعركة بوجه الإرهاب. ويعلق المتابعون على هذا الواقع الجديد في السياسة الدولية بالتوقف عند مفارقة أن الغرب قد بات أكثر واقعية من بعض دول المنطقة تجاه الحل السوري!
ومع استمرار إيران اللاعب الرئيسي في العراق، يبرز اليمن كساحة «كباش» مباشر إيراني سعودي، وغير مباشر إيراني أميركي، علماً، والكلام للمتابعين، أن الولايات المتحدة، بسماحها بالنفوذ الإيراني في سوريا والعراق، فإنها سوف تعتمد إيجاد «توازن» في المنطقة عبر منع التوسع الإيراني في اليمن.
لكن المتابعين يقرون في المقابل، بأنه برغم الانفتاح الأميركي الإيراني البالغ الأهمية، إلا أن ثمة فجوة كبيرة على صعيد العلاقات الإيرانية السعودية. يأتي هذا الأمر في ظل استعداد إيراني لفتح صفحة جديدة مع الرياض التي لا تزال تتشدد في تلقف الرسائل الإيرانية الإيجابية. وبذلك، فإن الحل الشامل في المنطقة لن يكون قريبا في ظل استمرار تلك الفجوة قائمة، مع ترك الباب مفتوحاً أمام مرونة سعودية مقبلة نتيجة الموقف الأميركي القائم على طي صفحة العداء السابق مع طهران.
ماذا عن لبنان في ظل الواقع المقبل على المنطقة؟
ثمة قرار دولي وإقليمي بحماية الاستقرار في لبنان وبتعزيز الحوار فيه، حسب المتابعين. حيث إن لبنان سيستفيد من الاتفاق الأميركي الإيراني عبر تعزيز علاقاته مع طهران، الاقتصادية منها على وجه الخصوص، ذلك أنه ستكون للبنان الأفضلية، كبلد صديق لإيران، بالدخول الى السوق الإيرانية. كما أن طهران لمست في الفترة الأخيرة ترحيباً لبنانياً للاستفادة من الهبة الإيرانية العسكرية.
أما عن الحل السياسي في هذا البلد، فإنه يبدو بعيد المنال، ومن المنتظر أن يطول الفراغ الرئاسي، إذ لا أفق قريباً للتوافق على رئيس للجمهورية، والسبب يعود الى ان لبنان لا يزال بانتظار ما ستسفر عنه الحرب السورية التي يبدو أنها.. ستطول كثيرا.