إيوان وورد- نيويورك تايمز
بينما يقترب موعد تجديد مهمّتها، تتعرّض قوة الأمم المتحدة (اليونيفيل) إلى ضغوط من أجل حلّها، حتى في الوقت الذي تواصل فيه الغارات الجوية الإسرائيلية استهداف واحدة من أكثر الحدود توتراً في العالم.
على مدى ما يقارب نصف قرن، قامت «اليونيفيل» بدوريات على الحدود المتوترة التي تفصل إسرائيل عن جنوب لبنان، وهي منطقة يُسَيطر عليها منذ زمن بعيد «حزب الله»، المدعوم من إيران. الآن، مستقبل هذه القوة يواجه علامة استفهام.
بعد اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل و«حزب الله» العام الماضي، تواجه الأمم المتحدة ضغوطاً لحل قواتها. وهذا الأسبوع يَحين موعد تجديد ولايتها السنوية.
كانت العلاقات بين إسرائيل و«اليونيفيل» متوترة منذ زمن طويل، إذ تتهم الأمم المتحدة إسرائيل مراراً بإطلاق النار على قوّاتها في لبنان وإصابة العشرات منهم. ومع ضعف «حزب الله» بشدة، ترى إسرائيل أنّ مهمّة «اليونيفيل» لم تعُد ضرورية.
لكنّ مسؤولين لبنانيِّين وأوروبيِّين يُحذّرون من أنّ أي انسحاب قد يُهدِّد اتفاق وقف إطلاق النار الهش الذي تمّ التوصّل إليه بين إسرائيل و«حزب الله» منذ تشرين الثاني.
وأوضح العميد نيكولا ماندوليسي، أحد كبار قادة «اليونيفيل»، خلال جولة حديثة على الحدود في جنوب لبنان، حيث تحوّلت المدن والبلدات إلى ركام: «الوضع لا يزال هشاً». يتمركز نحو 10 آلاف من قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان كجزء من المهمّة التي أُنشئت عام 1978 أثناء الحرب الأهلية اللبنانية. وخلال العقود الماضية، عملت القوة كحاجز بين إسرائيل و«حزب الله».
وبما أنّ ولايتها لا تسمح باستخدام القوّة إلّا في حالة الدفاع عن النفس، فقد واجهت «اليونيفيل» انتقادات منذ زمن طويل من كلا جانبَي الحدود. يعتبرها أنصار «حزب الله» متدخّلين أجانب ومتواطئين مع إسرائيل. وفي إسرائيل، قبل الحرب الشاملة، كانت «اليونيفيل» تُعتبر جسماً عاجزاً لا يستطيع كبح جماح الجماعة المسلحة.
وأوضح بول سالم، نائب رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن لشؤون الانخراط الدولي: «مع مرور الوقت، يجب ألّا نحتاج إلى قوات دولية في لبنان، سواء «اليونيفيل» أو غيرها». لكنّه أضاف أنّ الدولة اللبنانية لم تمارس سيطرة كاملة على أراضيها منذ سنوات طويلة، ما سيترك فراغاً إذا انسحبت القوة فجأة. وبينما يناقش الدبلوماسيون مستقبل «اليونيفيل» في نيويورك، كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تجوب أجواء جنوب لبنان بشكل شبه يومي، وتقصف ما تقول إنّها أهداف تابعة لـ«حزب الله».
وأوضح المقدّم إنريكو ماساريا، وهو جندي إيطالي في قوات السلام يمرّ بالقرب من موقع استُهدف بغارة إسرائيلية بطائرة مسيّرة قبل يوم واحد: «كنا نتوقف هنا لنشتري شيئاً للشرب أو لنتحدّث مع السكان المحليِّين. الآن لم يعد موجوداً».
بدأ الصراع الأخير بعد الغزو الإسرائيلي لغزة رداً على الهجوم الذي قادته «حماس» على إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023. أطلق «حزب الله» حينها الصواريخ على إسرائيل دعماً لحليفه الفلسطيني.
وبعد ما يقارب عاماً من تبادل الضربات، اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان. وفي نهاية المطاف، قتلت معظم قيادات «حزب الله»، إلى جانب آلاف المقاتلين والمدنيِّين، ودمّرت مساحات واسعة من لبنان.
بعد أشهر من وقف إطلاق النار، لا يزال معظم جنوب لبنان مدمّراً. بالكاد توجد أي مؤشرات للحياة باستثناء بعض السكان المرهقين الذين يبحثون بين أنقاض منازلهم عن أي شيء يمكن إنقاذه من أهوال الحرب الأخيرة.
على طريق ترابي بمحاذاة الحدود مع إسرائيل مؤخّراً، شقّت قافلة من «اليونيفيل» طريقها وسط الركام، متجنّبةً القبور الموقتة وقذائف الهاون غير المنفجرة المنتشرة على جانبَي الطريق. ويُشير النقيب الإيطالي جوزيبي فالوسي، الذي يقود الدورية، وهو يرفع رأسه إلى السماء: «انظروا فوق رؤوسنا»، طائرة إسرائيلية مسيّرة بدأت بالتحليق.
اختفت الطرقات بعدما مزّقتها جنازير الدبابات الإسرائيلية. وعلى أنقاض المنازل المدمّرة، كانت أعلام «حزب الله» الصفراء ترفرف في الهواء، وقد زرعها أنصار عادوا لفترة وجيزة أثناء الهدنة، بعضهم لجمع مقتنياتهم، وآخرون فقط لدفن موتاهم.
توقفت القافلة عند نقطة تفتيش للجيش اللبناني لم يبقَ منها سوى كوخ من طابق واحد وعدد من الأغطية البلاستيكية. وأكّد الملازم خليل عبد الرضا، قائد فصيل من الجيش اللبناني يرافق الدورية الأممية، أنّ الجرافات الإسرائيلية دمّرت النقطة قبل أشهر.
وأشار الملازم عبد الرضا إلى خط على جسده، موضّحاً المكان الذي أصيب فيه بشظية قذيفة دبابة إسرائيلية. وبحسب الجيش، فقد قُتل العشرات من رفاقه خلال النزاع.
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وافقت إسرائيل و«حزب الله» على الانسحاب من جنوب لبنان، فيما تعهّد الجيش اللبناني بالانتشار هناك بدعم من «اليونيفيل».
لكنّ إسرائيل زعمت أنّ «حزب الله» يحاول إعادة تنظيم صفوفه، واتهمت لبنان بخرق الاتفاق لعدم ضمان انسحاب الجماعة. ولهذا أبقت إسرائيل على عدد من المواقع العسكرية داخل لبنان، في خرق آخر للاتفاق نفسه. وقد دفع ذلك الحزب إلى مقاومة الضغوط الدولية والمحلية المتزايدة لنزع سلاحه.
وأضاف الجنرال ماندوليسي، أنّ «اليونيفيل» مخوّلة بمراقبة وتوثيق انتهاكات وقف إطلاق النار، لكن ليس بفرضه، بالتالي يقع على عاتق الجيش اللبناني تفكيك البنى التحتية العسكرية لـ«حزب الله»، مثل الأنفاق ومخازن السلاح، وفقاً للاتفاق، مضيفاً: «القوات المسلحة اللبنانية هي المفتاح لاستعادة السيطرة الكاملة على جنوب لبنان».
