IMLebanon

فرنسا تفرض التمديد والولايات المتحدة تحدّد الأفق: “اليونيفيل” حتى 2026 فقط  

 

 

 

حسَمَ مجلس الأمن الدولي أمس الخميس مصير قوة الأمم المتحدة المؤقتة “اليونيفيل”، العاملة في جنوب لبنان منذ 19 آذار العام 1978، وتوسّعت مهامها في آب 2006 مع صدور القرار الأممي 1701، من خلال التصويت على مشروع القرار الفرنسي الذي، نصّ وبعد تعديلات عديدة عليه تحنّباً لخطر حقّ النقض “الفيتو” الأميركي، على التمديد لقوة حفظ السلام حتى 31 كانون الأول من العام 2026، وبدء عملية تقليص وانسحاب مُنظّمة وآمنة لعناصرها اعتباراً من التاريخ نفسه، على أن تنتهي في غضون عام واحد”. وهذا يعني بأنّ “اليونيفيل” ستبقى في جنوب لبنان سنة وأربعة أشهر بشكل عملاني، على أن تُخصّص السنة اللاحقة (2027) لتمكين الجنود الدوليين من مغادرة الجنوب تدريجياً من بدايتها وحتى نهايتها. ويهدف هذا الأمر إلى تمكين الحكومة من بسط سيطرتها وتولّي مسؤولية الحفاظ على الأمن بشكل كامل في جنوب لبنان، بالتزامن مع التقليص التدريجي لعديد قوّات “اليونيفيل”. على أن يُقدّم الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريس) إحاطات دورية للمجلس حول تطوّرات التنفيذ.

 

ومع هذا القرار، تكون واشنطن قد نفّذت ما كانت تطمح اليه منذ سنوات، على ما تقول أوساط ديبلوماسية مطّلعة، تلبية لرغبة حليفتها “إسرائيل” في المنطقة والمتمثّل بإنهاء عمل “اليونيفيل”. وكانت هذه الأخيرة قد بدأت تتعرّض لمضايقات واتهامات “إسرائيلية” عديدة طوال السنوات الأخيرة، ولا سيما مع بدء الحرب بين حزب الله و “إسرائيل”. كما اتهمت واشنطن “اليونيفيل” بفشلها في مهامها، ولهذا تسعى اليوم إلى تقليص ميزانيتها وتخفيض عديدها بعد محاولات “إسرائيلية” بإخلائها من مواقعها في المنطقة الحدودية الجنوبية.

 

وشهدت الساعات الأخيرة محادثات ومناقشات داخل مجلس الأمن وفي أروقة الأمم المتحدة لتقريب وجهات النظر لا سيما بين الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، على ما ذكرت الأوساط، لجهة الإبقاء على قوّة “اليونيفيل” في الجنوب لمدّة عام واحد على الأقلّ، نظراً الى أهمية بقائها في هذه المرحلة الحرجة من عمر لبنان، وعدم استخدام واشنطن “الفيتو” في وجه مشروع القرار الفرنسي. فقد أدركت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ أي إنسحاب سريع أو مفاجىء “لليونيفيل”، من شأنه تعريض الجيش اللبناني للخطر. ولهذا أوضح الموفد الأميركي توم برّاك خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان موقف بلاده ألا وهو الموافقة على التمديد “لليونيفيل” لمدّة عام واحد، رغم تحفّظاتها السابقة عن قرار التمديد، مشيراً إلى أنّ كلفة “اليونيفيل” هو مليار دولار. علماً بأنّ “اليونيفيل” تضمّ حالياً (حتى 1 آب الجاري) 10.509 جندياً لحفظ السلام من 47 دولة تُشارك فيها.

 

ولكن من أجل تنفيذ خطة إنهاء عمل “اليونيفيل”، واستلامها منطقة صغيرة جدّاً في الجنوب خارج المنطقة الصناعية، على ما ترغب واشنطن، لا بدّ وأن يحصل الجيش اللبناني، على ما تلفت الأوساط، على دعم عربي ودولي عسكري ولوجيستي وتمكينه جديّاً بالمعدّات المتطوّرة… علماً بأنّ الأميركيين أعلنوا عن أنّهم لن يُقدّموا المساعدات العسكرية للجيش اللبناني قبل سحب سلاح حزب الله. وهذه المساعدات ليست من النوع الثقيل الذي بإمكانه مواجهة العدو في حال استكمل اعتداءاته على لبنان، وكان آخرها سلسلة غارات على إقليم التفاح، إنّما لاستخدامها في الداخل اللبناني للحفاظ على الأمن والإستقرار فيه، ومنع حصول أي فتنة داخلية.

 

أما المخطط الأميركي – “الإسرائيلي” بإنهاء وجود “اليونيفيل” في جنوب لبنان تمهيداً لإقامة المنطقة الإقتصادية الحرّة فيه (أي الـ T Zone، كما سُمّيت)، على ما تشرح الأوساط الديبلوماسية، فيعود إلى إنشاء اللجنة العسكرية الأمنية الخماسية للإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، والتي ترأسها جنرال أميركي، وذلك بهدف الحدّ من دور “اليونيفيل” في جنوب لبنان. ويعلم الجميع انحيازها الى مصلحة “إسرائيل” بدليل تغاضيها عن اعتداءاتها المستمرة على لبنان التي وصلت إلى نحو 4 آلاف خرق في غضون 9 أشهر من بدء تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية في تشرين الثاني الماضي.

 

في الوقت نفسه، لا يُمكن اعتبار أنّ واشنطن انتصرت في قرار التمديد “لليونيفيل”، على ما تؤكّد الأوساط، كما لم تنتصر “إسرائيل” التي تحدّث سفيرها لدى الأمم المتحدة داني دانون عن أنّه “بعد نحو 50 عاماً على إنشاء “اليونيفيل”، و 19 عاماً على توسيع مهمتها عقب حرب لبنان الثانية، حان الوقت لحلّ هذه القوة”. وأضاف أن “الواقع أثبت فشل “اليونيفيل” في أداء مهامها وعجزها عن منع تنامي قوة حزب الله”، معتبراً أنّ “المسؤولية تقع الآن على عاتق الحكومة اللبنانية”. وفي الواقع لقد انتصر لبنان لأنّه لا يُمكن لهذه القوّة، وهي مؤقّتة، أن تبقى في جنوبه إلى الأبد، خصوصاً إذا ما استتب الأمن عند الحدود الجنوبية وانتشر الجيش اللبناني وبسط سيادته على كامل أراضيه. واعتبر رئيس الجمهورية جوزاف عون أنّ هذا الامر “خطوة متقدمة سوف تساعد الجيش اللبناني في استكمال انتشاره حتى الحدود المعترف بها دولياً، متى تحقق الانسحاب “الإسرائيلي” الكامل وتوقفت الاعمال العدائية، وأعيد الأسرى اللبنانيون”.

 

كذلك فإنّه من شأن الظروف أن تتحكّم بما سيحصل بعد نهاية العام المقبل، على ما أشارت، إذ لا أحد يضمن وقف الأعمال العدائية وانسحاب القوّات “الإسرائيلية” من جنوب لبنان وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين. لهذا سيكون للبحث صلة رغم أنّ تمديد ولاية “اليونيفيل” هو الأخير هذه المرّة..