Site icon IMLebanon

مقاربة فكرية لثورة الجامعات.. قيم جديدة تهدم قيماً بالية وتنقذ غزة من الجحيم!

 

 

السؤال الملحّ، لمن يراقب طبيعة التحركات الطلابية والأكاديمية في جامعات الشمال الأميركي (وكاتب التقرير واحد منهم)، ما النتائج التي يمكن أن تسفر عنها هذه التحركات، وما المنهج السياسي، الذي يمكن لبلاد العالم الجديد (أي الولايات المتحدة وأميركا علي وجه الإجمال) من أن يعطيه لسياسة العالم في ما تبقّى من عقود القرن الحادي والعشرين؟

للإجابة أو للإجابات مداخل:

1 – المدخل الحدثي: تفجر التحركات التي يمكن أن تصل الى حدّ الثورة بين نهج قائم تمثله السلطات الأميركية في ادارة الكوكب (وهو نهج مغضوب عليه) ليس فقط لارتباطه بالاستجابة لمتطلبات الحركات الصهيونية المهيمنة على «دولة اسرائيل»، أو بما يسمى بالتحالف «البروتستنتي – اليهودي» للسيطرة على العالم وتطويعه واخضاعه، ضمن «متطلبات الهيمنة» ونهج مغاير يعيد الإعتبار للمبادئ الجيفرسونية (نسبة الى الفيلسوف الأميركي الرئيس توماس جيفرسون) والقائمة على الإلتزام بقيم حقوق الإنسان، والعدالة وحق الشعوب بتقرير مصيرها، والسعي الى السلم والأمن على مستوى العالم..

لقد جاء هذا التفجير، في خضم أسوأ حرب إبادة في هذا القرن، أو في العقود التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي في أوائل العام 1990، مع منظومته الشرقية أعني حرب غزة.. (فجَّر الرعب الصهيوني القائم منذ ما ينيف عن سبعة أشهر، مشاعر الغضب على اسرائيل، والتعاطف مع الشعب الفلسطيني، أطفالاً ونساءً وشيوخاً ورضعاً ورجالاً.

 

حركت آلة الحرب المدمرة مشاعر الملايين والمليارات من الناس حول العالم. وعبرت هذه الحركة عن نفسها بالتظاهرات والاعتصامات والبيانات والمؤتمرات الصحفية المنددة بالحرب، والدعوة فقط لوقفها فوراً من دون أية ترتيبات وحسابات.

2 – مدخل المطالب والشعارات: شكل نصب الخيم داخل الأحرام الجامعية من كاليفورنيا في نيويورك الى هارفارد وجورج تاون في واشنطن، وجامعات ميتشيغان، وميرلاند ونورث كارولينا ومينيسوتا وستانفورد، ذروة التعاطف لدى الجامعيين والأكاديميين مع الشعب الفلسطيني، وحركة المقاومة التي تقوده «حماس» و«الجهاد الاسلامي»، لجهة المطالبة فقط بوقف الحرب، بل بدعوة الادارة الأميركية التي يقف على رأسها جو بايدن، الطامح الى ولاية جديدة في البيت الأبيض، الى وقف  توريد الأسلحة والاستثمارات، وتزويد اسرائيل بوصفها دولة خارجة على القانون، لردعها وجعلها قابلة للامتثال الى شرعة الأمم المتحدة ومبادئ جونسون للسلام، التي طرحها إبان الحرب العالمية الأولى.

 

3 – مدخل التعاطف مع الشعب الفلسطيني، ومع غزة، ليس حدثاً عادياً أن يظهر العمل الفلسطيني بألوانه في باحة جامعة كاليفورنيا، وليس حدثاً عادياً أن يعتمر الطلبة، الكوفية الفلسطينية، ويمضون في الاصرار مع مطالبهم المناهضة للحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، والتضامن الكامل مع الفلسطينيين، الامر الذي اغضب وزير الخارجية الأميركي، الذي من الممكن ان يكون في الشرق الاوسط بدءاً من اليوم، ودعا الطلبة الى التحريض على «حماس» وليس على إسرائيل.

3 – مدخل أميركي محض، ويتعلق بمسؤولية الولايات المتحدة الأميركية، بوصفها قائدة للعالم، ومسؤولة الى حدّ كبير عن تنفيذ القرارات الأممية.. في العام 2005، أقرت القمة العالمية للأمم المتحدة إطاراً يتعلق بالمسؤولية عن حماية السكان في مختلف البلدان من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الانسانية.

فأين دور ادارة بايدن في حماية سكان غزة، ووقف جرائم الحرب المتعلقة بالمجازر اليومية التي أدت الى مقتل ما لا يقل عن 35 الفاً وأصابت أكثر من 80 ألفاً من الفلسطينيين في  جروح متوسطة وخطيرة، وحوّلت المستشفيات والمدارس والجامعات والكنائس والمساجد ومقرات الأونروا الى ركام مسوَّى بالأرض.

4 – من المداخل الممكنة لفهم ما يجري في جامعات أميركا الشمالية الممتدة الى بريطانيا وباريس وألمانيا وأستراليا محاولة فهم مستقبل قيم الليبرالية بعد مضي ما لا يقل عن ثلاثة عقود من انتهاء الحرب الباردة.

إن «ثورة الجامعات الكبرى» حول العالم هي مطالبة، من رجال المستقبل، في العالم الأكثر تقدماً بالعودة الى خيار الليبرالية لمصلحة السلام العالمي، والتطلع الى قيم الاستقرار والمسألة الملحَّة على هذا الصعيد، رفض تكريس العنف والقتل في أنظمة القيم الليبرالية.

5 – من داخل نظم القيم الليبرالية نفسه يتحرك طلبة الجامعات في الغرب، بحثاً عن مستقبل آمالهم. في ضوء التردي الهائل لمنضومة الحكم في الولايات المتحدة ومجموعة السبع،  وغيرها من الدول ذات الجموح، المالي والاقتصادي الخطير..

مع تساقط أنظمة ايديولوجية، ومحرمات مثل «معادات السامية» واعتبار حركات المقاومة إرهاباً، وأنظمة العقوبات الأميركية، فتح حراك الجامعات المذكورة حول العالم الآفاق من جديد، للبحث عن عالم متوازن، لا يتحكم فيه الحلف البروتستنتي- اليهودي بمقدّرات العالم، ويخرج عن منهجية الهيمنة، وإعادة الاعتبار لمبدأ التوازن، وللجوء الى الدبلوماسية في معالجة المشكلات المستعصبة..

المطلب المحوري لحركة المناهضة للحرب في الجامعات الأميركية هو إعطاء الحق والفرصة للشعب الفلسطيني في انتزاع دولة مستقلة ذات سيادة، يقبلها المجتمع الدول تماماً كما يقبل اسرائيل الدولة المعتدية.. وتمكين الدولة الفلسطينية من ان تكون دولة سيادة، قادرة على الانظمام الى المجتمع العالم للدول.

على احد جدران المقرّ الرئيسي للامم المتحدة، عبارة للأمين العام الأسبق داغ هام شولد (Daghamma skjold): لم تنشأ الأمم المتحدة للمضي بالبشرية الى الجنة، ولكن لإنقاذها من الجحيم».

ويمكن استعارة العبارة نفسها للقول، لم تنفجر ثورة طلاب أميركا، من نيويورك (جامعة كاليفورنيا) لإدخال  غزة وفلسطين الى جنة الدولة، بل لإنقاذ غزة وفلسطين من الجحيم الصهيوني» قبل فوات الأوان!