Site icon IMLebanon

إلى أين تتجه المنطقة بعد الضربة الأميركية على مفاعيل إيران النووية؟

 

 

 

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فجر الأحد 22 حزيران الجاري، أننا «نفّذنا ضربات دقيقة ضد مواقع نووية إيرانية وهدفنا تدمير قدرات إيران لتخصيب اليورانيوم». وأضاف ترامب، في كلمة حول الهجوم الأميركي على إيران، الضربات على إيران حققت نجاحاً رائعاً وعلى إيران صنع السلام.

هذا وأكد مسؤولون في إيران، تعرّض منشآت أصفهان ونطنز وفوردو النووية لهجوم أميركي وفقاً لتقارير إعلامية رسمية إيرانية، وبحسب المتحدث باسم مركز إدارة الأزمات في منطقة قم «قبل ساعات قليلة وبعد تفعيل أنظمة الدفاع الجوي في قم وتحديد أهداف معادية، تعرّض جزء من منطقة فوردو النووي لهجوم من قبل القوات الجوية المعادية» وفقاً لوكالتي أنباء فارس وإرنا التابعتين للدولة.

 

«ما قبل الضربة الأميركي على إيران، ليس كما بعدها»، ورغم فعالية الضربات التي نُفّذت ليس من الضروري أن تذهب إيران إلى صنع السلام كما قال ترامب. إذ من يتابع المواقف الإيرانية ومن يدور في فلك العدائية للولايات المتحدة الأميركية قبل تنفيذ الهجوم يدرك أن المنطقة تنزلق أكثر نحو دوامة من العنف التي قد تنتهي على قاعدة «منتصر ومهزوم»، وإن السلام المنشود قد لا يأتي عن طريق فرض القوى كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

 

مهما خلّفت الضربات الأميركية من اضرار في المنشأت، إلّا أن هذا لا يعني ان المنطقة ذاهبة نحو السلام الأميركي والإسرائيلي، وما يأمل به الرئيس الأميركي من أن تؤدي الضربات على المنشآت إلى جلب طهران إلى طاولة المفاوضات قد يكون مجرد وهم. لأنّ الأمور باتت مفتوحة على كافة الاحتمالات على رأسها فتح الصراع على مصراعيه، ما سيضع المصالح الأميركية والقواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في المنطقة إلى خطر التصعيد.

أطلقت واشنطن في ضرباتها هذه الضوء الأخضر أمام الفصائل الموالية لإيران في المنطقة لتفعيل عملياتها العسكرية وفتح أكثر من جبهة قتالية بعدما ظلت على مدة أسبوع محصورة بين الهجوم الإسرائيلي والردّ الإيراني. وإن الحرب قد تشهد تصعيداً يطال مفاعيل إسرائيل النووية، التي كان أحد المسؤولين في الحرس الثوري الإيراني قد وضعها من ضمن بنك أهداف صواريخ إيران الباليستية، لكن ليس على شكل التدمير بل رد الاعتبار لدى الإيراني.

يضع المتابع مجموعة من السيناريوهات التي قد تدخل المنطقة فيها، ولكنّ الأكيد أن الأميركي لم ينفذ ضرباته استجابة لرغبة نتنياهو، ولا نزولاً عند ما يرضي غرور هذ الرجل الذي على ما يبدو لن يرضيه إلّا حرب كبرى في المنطقة، كما قال الرئيس الأسبق للولايات المتحدة بيل كلينتون، في إحدى مقابلاته التي أجراها السبت 21 حزيران الجاري.

يريد حقاً الأميركي السلام، ويريد التوصل إلى اتفاق مع النظام القائم في إيران، وهو بالطبع يخشى المواجهة الكبرى، لكنّه في الوقت ذاته لن يسمح إيران بامتلاك السلاح النووي، ولن يسمح بامتداد نيران الحرب إلى دول أخرى. لهذا لجأ الأميركي إلى تنفيذ ضربات «ردعية» وليست هجومية، بمعنى أنه يريد من خلالها أخذ إيران إلى طاولة المفاوضات.

أخذ طهران إلى التفاوض لن يكون عبر الضربات فقط، بل عبر إيجاد الحالة الاحتوائية التي نجحت إلّا الآن في فرضها الدبلوماسية الأميركية قبل أيام من توجيه الضربات. فهي حاورت الروسي مباشرة، وهذا ما طرح معادلة «النووي الإيراني مقابل تعزيز روسي في أوكرانيا»، وما صرّح به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن أوكرانيا وروسيا بلد واحد، لا يعني أنّه يريد ضمّ أوكرانيا ولكنّه يريد التخلص من النظام القائم في كييف ليأتي بآخر حليف لموسكو بتغطية أميركية.

ليس الروسي من احتواه الأميركي، بل هناك الباكستاني الذي عبّر في أكثر من مناسبة عن الوقوف إلى جانب إيران في هذه الحرب. فالباكستاني لا يريد الفوضى على حدوده مع إيران، إذ يكفيه ما أحدثه الأميركي في أفغانستان، ويكفيه أيضاً النزاع العسكري مع الهندي القابل للتجديد. ولكنّ جلّ ما يحتاجه نظاماً ضعيفاً في إيران ولكنّ متماسك، وهذا ما وعد به ترامب قائد الجيش الباكستاني الذي كان على مأدبة الغذاء في البيت الأبيض.

يدرك الأميركي أن سياسات إدارة بايدن سببت تباعداً لحلفاء واشنطن، وجعلت من البعض الذهاب في اتجاه معاكس، مصر نموذجاً. هذا ما تلقّفه ترامب، وذهب بعيداً في محاكاة هواجس المصري، في شأن سدّ النهضة، وتحدث باللغة التي ترضي الخاطر المصري، من خلال الاعتراف بخطأ إدارة جو بايدن على اعطاء أثيوبيا الامتيازات. فالأميركي اليوم لا يريد توسيع من دائرة الحرب، كي لا يعيد مشهدية فيتنام في إيران، ولكنّ جلّ ما يريده إعادة التوازن إلى المنطقة بعدما شعر الجميع أن المدّ الإيراني بات خطراً على مصالح الدول حتى العربية منها.

سباق بين الدبلوماسية والتصعيد العسكري وإن الحديث عن الذهاب بالمنطقة نحو التغيير وجهتها بحسب الرؤية الإسرائيلية لم يزل حلم نتنياهو بعيد المنال. إذ أثبتت إيران قوتها في قدراتها الصاروخية وليس في امتلاكها الأسلحة النووية، وهذا ما ترجمته بعد الضربات الأميركية بساعات قليلة حيث أطلقت مجموعة من الصواريخ على حيفا وتل أبيب. فإنّ هذه القدرة على إطلاق الصواريخ تبقى من الأوراق القوى لدى طهران، لا سيما وإن الحديث بدأ يتصاعد في الداخل الإسرائيلي عن نفاذ مخزون إسرائيل في دفاعاتها الجوية والقدرة المالية المرتفعة التي تتكبّدها.

ليست القوى الصاروخية الإيرانية هي الرادعة الوحيدة لجموح نتنياهو نحو تفجير المنطقة، بل هناك الدور الدبلوماسي الفاعل عن الجانب القطري والتركي والمصري على صعيد المنطقة المعارض لعدوانية إسرائيل والذي سيشكّل جسر عبور نحو فرض السلام العادل والمتوازن. إضافة إلى الرفض العربي بشكل مطلق لجعل المنطقة ترزح تحت ما يسمّى «السلام النتنياهوي» ذات التوجه اليميني المتطرف لفرض الاستسلام على شعوب ودول المنطقة.

ان تنفيذ الضربات الأميركية ليست دليل على إنه انتصاراً ميدانياً لإسرائيل، بقدر ما يؤكد على الإصرار الأميركي بفرض مبدأ التسويات على قاعدة احتواء الصعود الإيراني وإزالة تهديداته. لهذا يصرح الرئيس الأميركي على أخذ إيران إلى طاولة المتفاوضات، وإن هذه الضربات أوصلت الرسالة. لكن التساؤل المطروح هل ستأخذ إسرائيل من الضربة الأميركية ذريعة لوقف حربها، أم إن للنظام في إيران رأياً آخر يرتكز على قاعدة «عليّ وعلى أعدائي»؟