Site icon IMLebanon

فنزويلا بين الخلاص و«السورنة»!

 

خسارة كبيرة، للشعوب ومنها شعوب الشرق الأوسط، في تراجع اليسار الشعبي في أميركا اللاتينية. الأسوأ، هو تقدّم اليمين الشعبوي نحو السلطة بخطى سريعة جداً ابتداءً من البرازيل. سقوط «جمهوريات الموز»، كان قفزة تاريخية للتحولات في العالم، من أبرز مفاعيلها تراجع الولايات المتحدة الأميركية. كيفية تعامل واشنطن مع الشعوب اللاتينية شكّل مرحلة سوداء لا تُنسى تفاصيلها ووقائعها.

 

خلال عقدين تقريباً، صعد اليسار الشعبي إلى السلطة وكانت بداياته عام 1998 مع فوز هوغو شافيز في فنزويلا. هذا الفوز حمل معه بشائر فوز ريكاردو لوغوس في التشيلي، ولولا دو سيلفا في البرازيل ونيستور كيرشنير في الأرجنتين وتامير فاسكوس في الأوروغواي وإيغور موراليس في بوليفيا ودانييل أورتيغا في نيكارغوا (ثأر لإبعاده) ورفاييل كوريا في الأكوادور وقد كرّر معظم هؤلاء أو مَن معهم في التجديد مرّة أخرى، فتدنّت شعبية الولايات المتحدة الأميركية إلى الحضيض.

 

فماذا حدث، حتى وقع هذا الانقلاب الأسود في البرازيل، وخرج الملايين في تظاهرات تخلّلتها اشتباكات في كراكاس ومدن فنزويلية أخرى؟

 

هل كل ما حدث وسيحدث في أميركا اللاتينية مستقبلاً هو نتيجة مؤامرة أميركية سوداء ضد الشعوب اللاتينية؟

 

«الممانعون» الذين تتقدّمهم روسيا يؤكّدون أن المؤامرة الأميركية ضخمة وهي تنحو نحو الانهيار والمواجهات.

 

11 دولة لاتينية هي: الأرجنتين والبرازيل وكندا وتشيلي وكوستاريكا وغواتيمالا وهندوراس وبنما وبارغواي والبيرو أيّدت تسّلم رئيس البرلمان خوان غوايدو الذي أعلن نفسه رئيساً للبلاد مكان نيكولاس مادورو. طبعاً سارعت واشنطن وفي الدقائق الخمس الأولى لإعلان التغيير إلى تأييدها «الرئيس» الجديد ولحقتها في ذلك البرازيل. في حين عارضت روسيا وإيران وكوبا والصين بنسب متفاوتة هذا «الانقلاب». السؤال الآن لماذا حدث «الانقلاب» الشعبي أساساً، وما هو مستقبل فنزويلا ومعها أميركا اللاتينية؟

 

فنزويلا كانت من أغنى دول أميركا اللاتينية مع إنتاج نفطي يصل إلى 3,2 ملايين برميل من النفط في اليوم. ثم بدأ التدهور حتى وصل الإنتاج حالياً إلى مليون ونصف مليون برميل تقريباً. وكان يمكن لفنزويلا أن تصمد وأن تحافظ على استقرارها لولا الانهيار الاقتصادي السريع وغير المسبوق في العالم. وليس هناك ما يؤكد أن الذين ينادون بالمؤامرة يعرفون أن الدين الخارجي لفنزويلا أصبح يزيد على 150 مليار دولار، وأن انهيار العملة الفنزويلية «البوليفار»، بلغ قعراً غير مسبوق في العالم. بعض الأمثلة على ذلك:

 

– الحد الأدنى للأجور لا يكفي لشراء كلغ من اللحمة.

 

– كلغ الجزر يبلغ 2,600000 مليون بوليفار أي 0,46 سنتيم من الدولار.

 

كل هذا لا شيء أمام «قوافل» النازحين الفنزويليين إلى البرازيل والبيرو وكوستاريكا والاشتباكات التي وقعت بينهم وبين السكان خصوصاً في البرازيل.

 

الرئيس مادورو سائق الحافلة والنقابي، الذي بالكاد يعرف ألف ياء الاقتصاد، اختصر الأزمة في إزالة خمسة أصفار دفعة واحدة من سعر العملة وأطلق عليها «بترو» تيمّناً بالنفط، ما دفع الفنزويليين من شدّة خوفهم من الفشل إلى النزول إلى الشارع.

 

في قلب هذه الأزمة الطويلة، «العسكر»، الذين أطاحوا بالاقتصاد بسبب حجم الفساد غير المسبوق الذي بلغوه. وهم حالياً في دعمهم للرئيس مادورو إنما يدعمون وجودهم على رأس السلطة وفي متابعة نهب البلاد. السؤال الذي يخيف الفنزويليين هو إلى أيّ مدى سيصل دعم «العسكر» للرئيس مادورو؟

 

انحياز جزء من قيادة الجيش إلى مادورو، يُشكّل قنبلة قابلة للانفجار في كل لحظة، وبالتالي «سورنة» فنزويلا فتُفتح حدودها لتدخلات واسعة تُشعل جزءاً مهماً من أميركا اللاتينية لأنه من المستحيل بوجود اليمين الشعبوي في السلطة في البرازيل من جهة والرئيس دونالد ترامب أن لا تنتشر نار التدخلات من قوى منظورة وغير منظورة، بقوة تحترق فيها الحدود.

 

أن يكون لواشنطن دوراً في صبّ الزيت على النار، يبدو متوقعاً وحتى طبيعيّاً جدّاً بالنسبة لأميركا «الترامبية». لكن لا يجب إلغاء مسؤولية غباء مادورو وفساد الضبّاط الذين يدعمونه. ما لم يُسارع الفنزويليون لصياغة حل داخلي يُنتج إنقاذ فنزويلا وخلاصها فإن فنزويلا على طريق حرب أهلية واسعة. من المؤلم خسارة دعم فنزويلا – تشافيز لقضايا المنطقة، لكن من الخطر جداً وضع المسؤولية على أميركا وموقفها من النظام في فنزويلا فقط، لأن معنى ذلك وضع إيران وحصارها على خط الانهيار نفسه.