جاءت زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركية إيضاحية لقانون العقوبات الأميركية ضد «حزب الله»، متشدّدة في تأكيدها ضرورة التزام المصارف القانون وأنظمته التطبيقية، حيث يشمل جميع العملات حتى الليرة اللبنانية وجميع الأشخاص حتى النواب والوزراء، مطـمئنة في الشكل بأن القانون لا يستهدف الطائفة الشيعية ولا القطاع المصرفي، ولكنها مقلقة في المضمون اذ يمتلك القانون أبعاداً سياسية ستستعمل كأداة ضد «حزب الله» عبر الضغط على بيئته الحاضنة.
في هذا السياق، من واجب المصارف اللبنانية الالتزام بقانون العقوبات الأميركية حفاظاً على سلامة القطاع المصرفي ولأن الاقتصاد اللبناني مدولر (ربط الليرة اللبنانية بالدولار)، و65 % من ودائع القطاع المصرفي بالدولار، و70% من استيراده (14 مليار دولار)، إضافة إلى أن غالبية تحويلات المغتربين البالغة حوالي 7.5 مليار دولار سنوياً تتم بالدولار، وغالبية دينه الأجنبي أيضاً (26 مليار دولار)، وغالبية احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية (37 مليار دولار).
تعود اعتراضات «حزب الله» على القانون الأميركي، لأنه يمّس بالسيادة الوطنية والنقدية والمالية اذ يشمل جميع العملات حتى الليرة اللبنانية، وجميع الأشخاص حتى ممثّلي الشعب اللبناني (النواب)، وتعود ايضاً لانه يطـّبق بشكل عشوائي ومغالاة واستنسابية من قبل المصارف اذ طال أفراداً واشخاصاً ومؤسسات وجمعيات اجتماعية وتربوية واستشفائية قريبة من «حزب الله» أو من بيئته ولكنهم غير مدرَجين على اللائحة السوداء (OFAC).
يتضمن القانون الاميركي تحديات ومخاطر قد تهدد الاستقرار الاجتماعي والامني. لذلك، على السلطات اللبنانية الحذر من خلال اتخاذ خطوات استيعابية تخفف من آثار القانون:
-تقنياً: قام مصرف لبنان بخطوات استيعابية وتوضيحية لتعميم رقم 137 الذي أعطى المصارف صلاحيات كاملة وشاملة إذ بات، وفق مصرف لبنان، لزاماً على المصارف عدم التصرف بأي حساب قبل 30 يوماً من إبلاغ هيئة التحقيق الخاصة.
– سياسياً: على السلطات السياسية والنقدية (رئيس الوزراء، وزير الخارجية، وزير المال، حاكم مصرف لبنان) التواصل مع السلطات الاميركية لعدم شمول قانون العقوبات الأميركية، العمليات المالية التي مصدرها الدولة اللبنانية، أي الخزينة العامة، والمرتبطة بإنفاقها العام والتي تخص المعاشات والرواتب والتعويضات والاعتمادات والنفقات الاجتماعية.. خصوصاً أن هذه النفقات لا تطبق عليها صفة الصفقات المهمة (Significant Transactions) اضافة الى أن الدولة اللبنانية أثبتت دوماً احترامها وتقيّدها بالقوانين والانظمة المالية العالمية وأقرت مؤخراً أربعة قوانين تتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، كما اعتبرت مجموعة (GAFI) ان لبنان أصبح مستوفياً كل الشروط الدولية.
يخشى ان يؤدي قانون العقوبات الاميركية الى:
– نمو قطاع مالي موازٍ للقطاع المصرفي يستند على المعاملات المالية النقدية ( Cash Market ) لا سيما في العمليات التجارية والعقارية…
– الإضرار بأشخاص او مؤسسات او جمعيات تقوم بنشاطات مالية قانونية، ولكن تطالها الإجراءات الأميركية، بسبب انتمائها او قربها من «حزب الله».
– تراجع نشاط بعض المصارف المصنفة قريبة من بيئة «حزب الله»، ما قد يهدد استمراريتها واضطرار السلطات النقدية الى دمجها مع مصارف أخرى حماية للقطاع المصرفي، علماً أن هذه المصارف صغيرة الحجم ولا يتجاوز مجموع ودائعها 2 % من إجمالي ودائع القطاع المصرفي.
يعتبر قانون العقوبات الأميركية سياسي بامتياز، يستعمل كوسيلة ضغط على «حزب الله»، ويخشى أن تتسع في المرحلة المقبلة «اللائحة السوداء» ما قد يهدّد الاستقرار الاجتماعي، لذلك، يجب على السلطات اللبنانية التحرك دولياً للتخفيف من آثار هذا القانون عبر محاولة التوازن بين المصلحة الوطنية ومستلزمات النظام المالي العالمي.
(]) خبير اقتصادي ومالي
