IMLebanon

حرب الحقائب … ستار لهدف أكبر؟

انشغال رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري بمواكبة اعمال المؤتمر الثاني لتيار المستقبل، وتوقف الاتصالات المباشرة بين وزير الخارجية جبران باسيل والمعنيين بالملف الحكومي لدى معظم الكتل البرلمانية، بسبب وجود باسيل خارج لبنان، سمحا لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون بدرس ملف التشكيل في شكل معمّق، واستخراج الخلفيات التي تحكم الشروط والمطالب التي يتمسّك بها مَن كانوا لسنوات خلت حلفاء الرئيس عون والضاربين بسيفه، قبل ان تنقلب الأمور، ويصبح النائب سليمان فرنجية المرشح المفضّل لرئاسة الجمهورية، ضمناً عند البعض وعلناً عند البعض الاخر، وينقل عن زوّار لعون ومقرّبين منه، ان الصورة الكاملة اصبحت واضحة امام الرئيس، بالنسبة الى عملية تشكيل الحكومة، بالوضوح ذاته لخلفية تشدد الثنائي الشيعي وحلفائه في 8 اذار، في مقاربة التشكيل، وفي خلق ظروف وتعقيدات مفتعلة لا تساهم في تسهيل التشكيل الذي يدّعي تكتل 8 اذار انه ملتزم به.

ولذلك فان الرئيس عون، ومن وحي ما اقتنع به، اعطى جميع الافرقاء الطامحين الى دخول حكومة الحريري، مهلة حتى نهاية هذا الاسبوع، لاعطاء أجوبتهم النهائية حول شكل الحكومة وعدد وزرائها والصيغ التي يرونها مناسبة للاسراع في التشكيل قبل تعذّر الوقت الكافي لانجاز قانون جديد للانتخابات، وهذا ما وعد به عون في خطاب القسم، لأن قانون الستين شيطان، والتمديد للمجلس شيطان أكبر، وفي ضوء هذه الاجوبة، سيعمد الرئيس عون بالتوافق والتفاهم مع رئيس الحكومة المكلّف الى وضع تصوّر لما يريدان ان تكون عليه الحكومة الجديدة التي يفترض ان تلفظ انفاسها بعد حوالى السبعة أشهر، لتشكيل حكومة جديدة وفق التوازنات التي افرزتها نتائج الانتخابات النيابية.

بطبيعة الحال، لن يكون رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، مرتاحاً لتصرف عون، لأن «جهاده الأكبر» الذي بدأ بعد تسمية سعد الحريري لتشكيل أولى حكومات العهد العوني، هدفه احياء حكم المثالثة الذي كان معمولاً به طول تسع سنوات عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي، وهي المثالثة التي خطط لها ان تكون نجمة المؤتمر التأسيسي الذي كان يفترض ان يقوم على انقاض الدولة بعد سنتين ونصف السنة من الفراغ في الرئاسة الاولى، والتعطيل شبه التام في المؤسسات الاخرى، الاّ ان فريقين وازنين في قوى 14 آذار، هما حزب القوات اللبنانية وتيار المستقبل، اطاحا بخطط قوى 8 آذار، عندما اتفقا على دعم ترشّح عون للرئاسة الاولى ووضعا الجميع امام استحالة وقف انتخاب عون، فانتقلت قوى 8 آذار الى «الخطّة ب» وهي اضعاف العهد منذ البداية، بعرقلة تشكيل حكومته الاولى، وصولاً الى احتوائه وتجويفه من الزخم والقوة، امّا حرب الحقائب التي يثار حولها الغبار في هذه الأيام فهي لا تعني سوى النائب سليمان فرنجية، الراغب بحقيبة دسمة تعويضاً، لأن اهتمامات الثنائي الشيعي فهي في مكان آخر، لأن التمسك بحقيبة المال، هو بمثابة الحصول على ثلث معطّل غير معلن، على اعتبار ان المراسيم التي لا تقترن بتوقيع وزير المال تبقى بلا قيمة في الجوارير، او تتحوّل الى «مشكل» مع رئيس الجمهورية والحكومة، وهذا نوع من تعديل الدستور، بالعرف وليس بالنصّ.

* * * * *

حتى لا نظلم الرئيس برّي، ونحمّله وحيداً وزر تعقيدات تشكيل الحكومة، يحسن القول انه على حق، ولو جزئي، في موضوع المداورة في الحقائب، فهو يأخذ على التيار الوطني الحر عدم تخلّيه عن حقيبتي الخارجية والطاقة، وفي الوقت ذاته يعمل على المداورة في وزارة الاشغال، علماً بأن برّي منذ البداية تمسّك بالمالية ورفض اي بحث في المداورة، عندما اعرب الدكتور سمير جعجع عن رغبته باستلام وزارة المال، واستفاق على المداورة في وزارة الاشغال، لأنه ايضاً لا يريدها للقوات بل لحليفه سليمان فرنجية.

ما يضعف موقف الرئيس برّي وقوى 8 آذار ان اللبنانيين، شعروا بالسليقة، ان مواقفهم المتشددة موجهة تحديداً ضد التحالف المسيحي القوي، وان هذه المواقف لا تسهّل مهمة العهد، ولا حياة اللبنانيين ولا المصلحة الوطنية.