Site icon IMLebanon

لا نريد دولة

 

الـ«لا» في بداية العنوان لم ترِد خطأً. أردتُها كما أردتُ «الدولة» عندما كنتُ صغيراً. لكن، كلّما كبرت وكبرت ورأيت الصغارَ يتحدثون عن بناء الدولة، ازداد شكّي بصوابيّة خياري الولّادي.

 

بحثت عن هذه الكلمة، كلمة «دولة»، في قاموسنا الاجتماعي النفسي، فلم أجدها بالمعنى الّذي يتحدّثون عنه مَن هم فوق.

 

توغّلت في بحثي الى أن وصلت الى الفينيقيّين، فوجدت «المدينة الدولة» التي تتحالف مع الغازي ضدّ جارتها.

 

عدت أدراجي الى القرن العشرين فوجدت أنّ لفظة «دولة» رَسَخ معناها في ذهن اللبنانيّين منذ القرن السادس عشر: «الدولة هي العدوّ».

 

حاول أجدادُنا الهرب من الدولة، العثمانية والمملوكية و و و الى الجبال العاصية والوديان لأنّ الدولة تبحث عن الأراضي الخصبة والموانئ والممرات التجارية، وتضعف سطوتها كلما ابتعدت من المدن، فوكّلت الدولة زعماء اللبنانيّين بجباية الضرائب، وتركت لهم حصّتهم، للزعماء طبعاً. وكلّما ازدادت حاجة الدولة للمال زادت ضغطَها على الزعماء، الّذين أثقلوا بدورهم على الناس.

 

الناس عندنا لم يجدوا مهرباً من هذا الضغط سوى التزلّم. فمَن كان زنده قويّاً أو صوته جميلاً أو له أيّ شيء جميل، نال حظوة، والباقون نضوة.

 

تدبّر الناس أمورَهم من دون دولة. تماماً كما يفعلون اليوم. وعندما حلّ الفرنسي في ربوعنا اشتممنا رائحة الدولة فقرفناها. الفرنسي الغبي يريدنا أن ننتظم في صفٍ مستقيم، نحن الّذين اعتدنا اللوفكة واللّف والدوران. أفلم نخرج للتو من أربعة قرون من العثمنة بعد أربعين قرناً منذ الفَينَقة؟

 

ارتحنا من الفرنسي لنعود الى تقاليدنا العريقة في رفض «الدولة» فاستقلّينا عن فرنسا ولم نستقلْ من مهامنا في تدمير كل ما هو نظام وانتظام. رحم الله حكّامنا بعد الاستقلال، الّذين تكلّموا لغة نفهمها عن «الدولة». فبـ«واسطتهم» نستطيع الوصول الى حيث شئنا دون الوقوف في الصف. فنحن نكره الوقوف، ونكره المشي ونكره التسلّق…

لكننا نحب الانبطاح.