Site icon IMLebanon

تجديد الدولة اللبنانية

 

القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية بتاريخ 5/8/2025، بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، ونزعه من جميع الميليشيات، بما فيه سلاح حزب الله، يعني الكثير للبنانيين وللعرب ولدول العالم أجمع، يؤكد لهم أن لبنان ذاهب لتجديد دولته، وعلى الجميع مؤازرته في هذا المخاض الصعب، بل على الأمم كافة أن تساعد لبنان على تنفيذ هذا القرار، والذي هو أشبه بالولادة الجديدة، تماما مثلما يحتضن «الخدج» من الأطفال الحديثي الولادة.

يحتاج لبنان إلى الرعاية والعناية الدولية، ونزع الألغام من أمام مسيرته الجديدة. فهو لأول مرة صار صاحب القرار في مصادرة كل سلاح غير شرعي على أرضه، وهذا يتطلب الكثير من المال والرجال والعلم والخبرة، تماما كما يتطلب الاحتضان الوطني العام، لئلا يجتمع عليه شذاذ الآفاق، فتعرقل مسيرته العفوية الطرية العود، وتمنعه بالتالي عن متابعة سائر الخطوات.

فما لم يبادر أصحاب السلاح، إلى ملاقاة الدولة، بتسليم سلاحهم، وبتغيير خطابهم، وبإعتبار أن سلاح الدولة هو وحده السلاح الشرعي الذي يدافع عن الأرض والعرض، فإن الدولة سوف تكون في خطر كبير، قد يعرّضها للشرذمة والإنقسام، فتقوم في وجهها العواصف وتتكاثر عليها الأنواء. وخير شاهد على ذلك الإنقلاب الذي جرى على معاهدة السابع عشر من أيار 1983.

فالقرار الوطني السيادي الطموح بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية وحدها، سوف يواجه بلا شك، من الكثيرين في الداخل والخارج. وأقل ما يقال فيه، أنه يخدم العدو الإسرائيلي، بحيث يعرّي الدولة من المقاومة الشعبية. وهذا ما بدأ يروّج له في بعض الأوساط، لتبرير بقاء السلاح في مخازنه وعدم تسليمه للدولة.

إن مشروع تجديد الدولة اللبنانية، قد اتخذ منذ أن اتخذ القرار بحصرية السلاح بيد القوى الشرعية. وهذان الموضوعان يسيران جنبا إلى جنب، ولا يتقدم واحدهما عن الآخر، لأن بقاء السلاح بيد الحزب والمنظمات، هو ما يعرقل تجديد الدولة، وجعلها دولة عصرية.

فنزع السلاح من أيدي القوى غير الشرعية، والإنحياز إلى الدولة وحدها لا إلى الدويلة، هو بارقة أمل جديد، بأن لبنان وضع على السكة الصحيحة، وأنه سوف ينهض من تحت ركام عشرات الأعوام، ليجد نفسه دولة حرّة مستقلة، قراره بيده لا بيد غيره، وسلاحه فقط هو سلاح الشرعية اللبنانية.

ولكن، هل هذا كل شيء لتجديد الدولة اللبنانية؟ وهل نزع السلاح بتجريد الأحزاب والميليشيات منه، كافٍ وحده لتجديد الدولة اللبنانية؟ وأين الدولة من العناصر الأخرى المعرقلة، مثل إزالة الإحتلال وإسترجاع الحدود والقرى، ومثل الإعمار في الضواحي و القرى المنكوبة والمحروقة، وهذا ما يحتاج إلى روزنامة عمل وخطة وبرنامج، وتمويل وجهود دولية، لأن إسرائيل ما زالت تهدّد وتتوعّد، وتمنع الأهالي من العودة إلى أملاكهم وقراهم، وأنهم يشكّلون خطرا عليها. وهي لا تزال عازمة على إقامة حزام آمن حولها، خال من السكان، حتى تؤمّن على سكانها.

تجديد الدولة اللبنانية، متصل بالعزيمة القوية في تجديد إداراتها، وفي تجديد بناها وبنائها، وفي تجديد هياكلها، فجميعها صارت منخورة ومهترئة. فهل الدولة لها خطتها المكينة والممكننة، لإنتاج السلطة في المستقبل، بلا مراعاة خواطر، وبلا تقاسم خدمات، وبلا محاصصة، وبلا أعمال زور وتزوير في الانتخابات؟!

والسؤال أيضا: هل العدلية سوف تنهض من جديد على قدميها لتجدّد نفسها بنفسها؟ وهل دوائرها وأقواسها ومحاكمها سوف تفعل أحكامها وتصدرها بلا مراجعات للجهات التي عيّنتها؟ هل تفعل المخافر على الحدود وتمنع التسلل، ودخول لبنان «خلسة» من المعابر غير الشرعية، وأوراق مزورة على المعابر الشرعية، بل هل تزال المربعات الأمنية؟ وهل تعود المخيمات لتكون تحت خيمة الدولة وحدها؟

والشيء بالشيء يُذكر، عن أحوال التربية والصحة والأشغال الهاتف والماء والكهرباء… وعن أحوال الجامعات التي تفرخ كل يوم، وعن حظ الجامعة اللبنانية، والدخول إليها من كل الأبواب، بالإستنسابية والزعامتية والمحاصصة والطائفية… وربما أيضا، بالشهادات المزوّرة…

بل هل نشهد العودة إلى المداورة، في جميع مراكز الفئة الأولى، وننتهي من زمن الاستحواذ على الإدارات والمراكز الدسمة، بحجة السيادية، وبحجج واهنة كثيرة.

حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، ونزع السلاح غير الشرعي، وتسليم سلاح حزب الله للدولة إنما هي الخطوة الأولى، في رحلة الألف ميل للنهوض الوطني من تحت ركام العقود الماضية الأليمة، ولتجديد الدولة اللبنانية.

فهل تجرؤ الدولة على وضع خطة لإعادة أموال المودعين، وعلى سوق المجرمين في هذا القطاع المصرفي وغيره من القطاعات التي تعرضت للنهب؟ هل تعود الشواطئ والمصائف للصيف؟ وهل تعود سكك الحديد ويصفّر القطار في صوفر أم سوف نظل تحت أحكام الرعناء المستبدّين فينا؟

رحلة الألف ميل في تجديد الدولة اللبنانية، قد بدأت أمس على طاولة مجلس الوزراء بإنتزاع قرار نزع السلاح. فهل نستطيع أن نمضي قدما لتحقيق قوة الدولة وعدالتها، من خلال تجديد بنيتها؟ وهل هناك من تضامن وطني وعربي ودولي معنا؟…