Site icon IMLebanon

المملكة تنضمّ إلى دائرة المتحفظين على التأخير

 

 

حصرية السلاح والإنذار الدولي الأخير

 

 

أحسن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون التوقيت بإعلان مواقف مهمّة حول سيادة الدولة وحصرية السلاح لمناسبة عيد الجيش، لأنّ المناخين الدولي والعربي بلغا حدًّا من التبرّم والانزعاج ممّا تصفه أوساط دبلوماسية بالتردّد والمماطلة والتسويف من قبل السلطة اللبنانية حيال العنوان الأبرز المطلوب للمرحلة المقبلة تطبيقًا لقرار وقف إطلاق النار وتاليًا للقرارات الدولية وفي مقدّمها القرار 1701 إلحاقًا بما نصّ عليه اتفاق الطائف.

 

وتلفت الأوساط إلى أنّ كلًا من الأميركيين والفرنسيين ومن خلالهم الاتحاد الأوروبي خلصوا بعد مشاورات عدة مباشرة وغير مباشرة إلى اعتماد توجّه جديد بمنزلة قرار ضمنيّ، عنوانه الضغط على السلطات اللبنانية لتحزم أمرها في ما ينبغي أن يعود إليها من قرار يخص سيادتها على الصعيدين السياسي والميداني. وهذا التوجّه برز تباعًا في أكثر من موقف وإشارة صدرت بخاصة عن واشنطن وباريس، علمًا أنّ الاتحاد الأوروبي الذي يتصدّره اليمين المحافظ يتناغم بشكل واسع مع التوجّه المذكور.

 

وتشير إلى أنّ التشاور قائم أيضًا مع الشركاء العرب في اللجنة الخماسية ومع عرب آخرين، وقد تبيّن أنّ الدول العربية المعنيّة بعامة تبدي بدورها حالة من التململ وما يشبه الملل حيال الموقف اللبناني الرسمي، مع حرص بعضها على تنبيه لبنان من أنه تأخّر أساسًا عن اللحاق بالركب العربي المتقدّم، ولا بدّ أن يخطو خطوات جدية وأكثر وضوحًا في ما يتعلق بسيادة الدولة على قرارها وأراضيها، باعتبار أنّ هناك فرصة أمام لبنان لن تتكرر لإنجاز ما ينبغي عمليًا من تقدّم نوعي طال انتظاره.

 

ولا تستغرب الأوساط أن تنضمّ المملكة العربية السعودية إلى دائرة المتحفظين على التأخير الذي يطغى على أداء الحكم والحكومة في لبنان حيال ما تعتبره خطوات مطلوبة بإلحاح لتطبيق ولو متأخر جدًّا لاتفاق الطائف الذي يعزُّ عليها كثيرًا، وترى أنها معنيّة به على صعيد الرعاية والمواكبة أكثر من سواها، وأن لا بديل عنه حتى إشعار آخر.

 

ومن هنا، فإن الحديث بعيدًا من الأضواء عن زيارة قريبة محتملة لرئيس الجمهورية إلى الرياض، وهي الثانية له، باتت تستبعده الأوساط موقتًا، حيث دخلت الزيارة إطار التجميد وليس الإلغاء، وذلك في ما يشبه رسالة هادئة، مع الحرص على طيب العلاقة، بضرورة المبادرة إلى تغيير وتيرة المسار الحالي في مقاربة مسألة السلاح، والانتقال إلى المسار العملي.

 

وفي رأي الأوساط الدبلوماسية نفسها، فإن المملكة ومعها دول الخليج تعتبر أنّ الخطر الأكبر يكمن في سعي “حزب اللّه” ومن ورائه إيران إلى المماطلة والتأجيل وتجزئة الحلول في رهان على الوقت وعلى تعب المجتمعين الدولي والعربي، بما يتيح لـ “حزب اللّه” أن يستعيد قوّته ويعاود استقواءه في لبنان ومحاولات تدخله في أكثر من دولة عربية كوكيل ممتاز للجمهورية الإسلامية. ولذلك، ينبغي تشجيع السلطة اللبنانية على الخوض في القرارات الجريئة، لا سيّما أنّ المعطيات لا تؤشر على احتمال حصول فتنة، ولا على مواجهة ميدانية بين الجيش و “حزب اللّه”، لأنّ “الحزب” سيكون الخاسر حتمًا، وهو الأدرى بذلك.

 

وفي رأي الأوساط، فقد آن الأوان للانتهاء من الفصل المتعب بعنوان سلاح “حزب اللّه”، لأنّ البديل هو المزيد من الضربات الإسرائيلية ومن التصعيد والمواجهات، “بقبة باط” أميركية وأوروبية، وهذا ما يقتضي تشديد الضغط السياسي والمالي والاقتصادي والقانوني على “حزب اللّه”، وليس الرهان على المواجهة العسكرية والأمنية التي يحاذرها أركان الحكم ولا يرغب فيها اللبنانيون من مختلف الجهات. وقد التقط الرئيس عون الإشارات جيدًا، وردّ عليها بكلامه في عيد الجيش، مكرّرًا ما أعلنه من مواقف في خطاب القسم مضيفًا إليها سلسلة التزامات مع مبرّراتها، على أنها تبقى قيد التحقق الفعلي من خلال الحكومة ممثلة بمجلس الوزراء.

 

وتقول الأوساط الدبلوماسية إنّ ثمة ميلًا لتفهم موقف رئيس الجمهورية ولكن ليس إلى درجة الإغراق في المراوحة، علمًا أن رئيس الحكومة بدا أحيانًا أكثر تقدمًا، ولو أنه لا يتولى “التفاوض” مع “حزب اللّه”. فمسألة سلاح “حزب اللّه” ليست مسألة لبنانية في محاذيرها فحسب، بل في ضرورة مواجهتها عمليًا من دون الحاجة إلى صدام فعلي على الأرض، فسلاح الموقف في هذه الظروف المؤاتية أقوى من السلاح العسكري بحدّ ذاته، وعلى “حزب اللّه” أن يدرك أنّ المخاطرة بالعرقلة ستضع مصيره ككلّ على المحكّ بدلًا من الاستمرار حزبًا سياسيًا كامل المواصفات. فمنطق الكسر غير مستحبّ، لكنّ منطق ترك الأمور على غاربها في موازاة النوايا الإسرائيلية التصعيدية ستكون عواقبه وخيمة على “الحزب” وبيئته أكثر منها على الدولة وسائر اللبنانيين.