تنصب الاهتمامات والمتابعات على ما ستكون عليه حركة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، بعد عودته ليل أول من أمس، من زيارته الـ»ناجحة جداً» من الرياض ولقائه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الامير محمد بن سلمان وقد دشن هذه العودة، بمبادرة غير مسبوقة على هذا القدر من الحرارة والسرعة، بزيارة الرئيس فؤاد السنيورة في دارته في شارع بلس، متمنياً عليه «المضي في ترشحه للانتخابات النيابية في صيدا..» وكان الجواب يوم أمس، في المؤتمر الصحافي للسنيورة خلص فيه الى اعلان عزوفه عن الترشيح.. كان بعض المتابعين يتوقعون ان يتوجه الرئيس الحريري الى فرنسا للقاء الرئيس ايمانويل ماكرون، لكنه فضل العودة مباشرة الى بيروت بالنظر الى ان مهلة تقديم طلبات الترشيح للانتخابات النيابية، تنتهي منتصف ليل اليوم الثلاثاء – الاربعاء، وبالتالي لا بد من بلورة الصورة النهائية للترشيحات واللوائح الانتخابية تمهيداً لبلورة صورة التحالفات المفترض ان تتم قبل نهاية آذار الجاري، على ما يقول عديدون..
لم يعد خافيا على أحد ان نتائج زيارة الرئيس الحريري الرياض واضحة المعالم، لجهة دعم لبنان وقد ظهرت على وجهه علامات السرور والارتياح وتشجع على المضي في قيادة عملية الانتخابات النيابية بالحدود التي توفر لفريق «المستقبل» وحلفائه الاكثرية المطلوبة في المجلس النيابي بهيئته الجديدة، خصوصاً وأن الرئيس الحريري حسم خياراته باعلانه «ان لا تحالف مع حزب الله» وترك الأبواب مفتوحة أمام سائر الافرقاء السياسيين، حيث من المتوقع ان تتبلور صورة التحالفات في أيام قليلة، أقله في المبدأ..
كذلك لم يعد حافيا على أحد، أن عديدين، في الخارج، كما في الداخل يعطون الانتخابات النيابية أهمية استثنائية، وهي الأولى منذ انتخابات العام 2009 وقد مدد مجلس النواب لنفسه مرتين، بحجة «الضرورات الأمنية» التي تبيح المحظورات الدستورية والقانونية وأمنيات الشعب اللبناني، خصوصاً وأن لبنان، عاد الى مربع الاهتمامات السعودية على نحو لافت ومن المتوقع ان يستأنف الموفد السعودي المستشار في الديوان الملكي، نزار العلولا زيارته الى لبنان ويلتقي من لم يتمكن من لقائهم في زيارته الاخيرة..
يولي عديدون أهمية خاصة لزيارة المستشار العلولا المقبلة، ليقفوا على ما ستكون عليه، ومن سيلتقي ممن لم يلتقِ بهم في زيارته السابقة، وإن كان البعض يعطي لـ»السنّة السياسية» أهمية خاصة في مواجهة «الثنائيات» الأخرى، مذهبية كانت أم طائفية.. وذلك على الرغم من الانقسامات الحاصلة في سائر البيئات الطائفية والمذهبية في لبنان، اسلامية كانت أم مسيحية، وتحديداً مارونية..
لقد تعرضت علاقة الرئيس العماد ميشال عون (زعيم «التيار الحر») بالمملكة العربية السعودية الى اهتزازات وبرودة لم تعد خافية على أحد.. الامر الذي قد يفسر معنى ان لا تدوم زيارة الموفد السعودي العلولا الى القصر الجمهوري أكثر من عشر دقائق بخلاف زيارته «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع، التي تحظى برعاية سعودية لافتة تجلت في عشاء معراب.. ناهيك «بالمردة» و»الكتائب اللبنانية» و»الوطنيين الاحرار» الذين يستكملون مشهد الانقسامات السياسية والنفسية في «المارونية – السياسية غير المسبوقة على هذا القدر.. ولم تفلح مساعي البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في توفير مناخات وأرضية ثابتة لجمع كل هؤلاء على رغم «تفاهم معراب» بين «التيار الوطني الحر» و»القوات»..
يسلم عديدون، بأن أولوية الرئيس سعد الحريري بعد عودته من الرياض تتمثل في «ترتيب البيت المستقبلي» من دون التنازل عن ثوابته المقررة بسلوك اعتدالي لافت.. وقد حقق خلال زيارته نتائج ايجابية جداً، ونال وعوداً بدعم لبنان في المؤتمرات الدولية المقررة.. وهي امكانات ستعزز – في رأي عديدين – من دوره في ادارة العمليات الانتخابية لتحصيل ما يتطلع اليه «تيار المستقبل»، على مستوى الساحة اللبنانية، مشفوعاً باحتمال توسع دائرة التحالفات المتوقعة بـ»القطعة»، وبحسب كل منطقة ودائرة.. وذلك على الرغم من التكتم الشديد والغموض الذي لايزال مسيطراً، وما يمكن ان يقدم عليه الرئيس الحريري بعد عودته، وان دشن هذه العودة بزيارته السنيورة في دارته في بلس..
كما ويسلم عديدون ان «البيت السني» ليس في حالة صحية سليمة، وقد ظهرت التناقضات والخلافات الى العلن ولم تعد سراً على أحد، ابتداءً من شمال لبنان وصولاً الى سائر المناطق.. وفي قناعة متابعين، ان دور الرئيس الحريري ما بعد عودته من الرياض لن يكون كما قبلها، وهو ماضٍ في خياره ان لا تحالف مع «حزب الله» الذي يشكل رأس حربة المواجهة مع النفوذ الايراني في لبنان.. خصوصاً وأن العديد من الدوائر الانتخابية تعيش معاناة غير مسبوقة وعلى العديد من المستويات يستحيل معها المراهنة على تجاوب سريع ومطمئن.. قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن امكانية ترتيب «البيت السني» الذي تسوده انقسامات واضحة للعيان.. وأن الرهان على زيارة الموفد السعودي العلولا، في اصلاح «ذات البين» بين القيادات السنية، وان كان غير مستحيل، إلا أنه بالغ الصعوبة، خصوصاً وان «القيادات السنية» في غالبيتها صاغت خياراتها في الشمال، كما في العديد من المناطق والدوائر و.. ومقاربة الانتخابات النيابية بتحالفات غير متوفرة حتى اليوم لغياب التوافق على الأسس، التي ماتزال ضبابية لدى كثيرين؟!
ليس من شك في ان عودة الاحتضان السعودي للرئيس الحريري بالغ الأهمية والتأثير على مسار التحالفات النيابية، الخارق لحدود الطوائف والمذاهب والمناطق.. لمواجهة الانزلاق باتجاه «الحضن الايراني».. والنتائج ستتبلور ولا شك في الآتي من الأيام..