Site icon IMLebanon

ما علاقة لبنان بخروج اليونان من أوروبا؟

منذ انتصار أليكسيس تسيبراس في انتخابات اليونان، تتجه الرهانات نحو طريقة معالجة أزمة الديون الاوروبية، وكيف ستكون ردة فعل اوروبا حيال المطلب اليوناني بتخفيف قيود السياسة التقشفية المفروضة على البلاد. لكن لبنان الذي يبدو للوهلة الأولى، في منأى عن هذه الأزمة، قد لا يكون كذلك، ومن المؤكد ان هناك تداعيات اقتصادية لأي تغيير جذري في الوضعية اليونانية داخل الاتحاد الاوروبي.

منذ أن ظهرت احتمالات فوز اليسار الراديكالي في الانتخابات اليونانية، (حزب سيريزا)، خرجت الى العلن مخاوف من النتائج التي قد تترتّب على هذا الفوز، وفي مقدمها احتمال التصادّم بين اليونان، في عهد اليسار بقيادة أليكسيس تسيبراس، والاتحاد الاوروبي الذي فرض على اليونان برامج تقشفية قاسية مقابل مدّها بالسيولة لاخراجها من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي واجهتها.

وبعد تحقيق الفوز، تحولت التساؤلات الى ملفات شائكة، وحان وقت التفاوض الجدّي مع الحزب الحاكم الجديد، الذي قاد اليونانيين الى الاعتقاد ان في امكانهم التخلّص من الديون من دون الحاجة الى تسديدها، او على الاقل من دون الحاجة الى تسديدها بالكامل. وقد رفع تسيبراس شعار «الأمل قادم». وألهب هذا الشعار حماسة اليونانيين، وكان عاملا اساسيا في فوز اليسار.

هذا الوضع انتهى بالأمس، وصار السؤال حاليا، ماذا سيجري في الغد، وهل سينجح تسيبراس ابن الاربعين عاما، وهو اصغر رئيس منتخب لرئاسة الحكومة اليونانية حتى الان، في المهمة التي وعد بها ناخبيه؟

لا شك في ان الاشكالية المطروحة حاليا من خلال المفاوضات التي بدأت عمليا، والتي استُهلّت بعملية تعارف بين تسيبراس وبعض القادة الاوروبيين، تتمحور حول سؤال مركزي: هل تنجح المفاوضات وتبقى اليونان في الاتحاد الاوروبي، ام تفشل وتضطر اليونان الى الخروج، او الى إخراجها من أوروبا الموحدة؟

انطلاقا من هذا السؤال يمكن الوصول الى الرابط الذي قد يؤدّي الى تداعيات تطاول الاقتصاد اللبناني في بعض جوانبه، وتؤثر على المصالح والاعمال اللبنانية، وعلى استغلال الثروات ومنها الثروة النفطية والغازية.

في اول اشارة الى ترابُط المصيرين اليوناني والقبرصي، اختار تسيبراس ان تكون اول زيارة خارجية له الى جزيرة قبرص. ولم تكن الزيارة هي الاشارة الوحيدة على ترابُط المصيرين، بل ان البيان الرسمي الذي صدر عن الزيارة والمحادثات كان أوضح من مجرد الاشارة.

وتحدث البلدان في احد بنود البيان، عن «الالتزام والحاجة الى توثيق التنسيق المشترك لمواجهة التحديات الرئيسية». واشارت بنود اخرى الى قضية الديون الاوروبية، والى الحاجة الى مفاوضات على قدم المساواة لحل هذه الأزمة، ودعم قبرص لليونان في هذا المسعى.

هذه الاشارات والمواقف العلنية، تعني عمليا ان الخطوات المقبلة، وفي حال كان القرار بالخروج من الاتحاد الاوروبي، فانه قد يشمل قبرص أيضا. وهنا تظهر المصالح اللبنانية المعنية بأي تطوّر من هذا النوع.

مع الاشارة الى ان روسيا تقف على الباب وتنتظر مع القليل من التدخّل ماذا سيجري، لأنها مستعدة للتنسيق مع اليونان لتخفيف مخاطر خروج الاخيرة من اوروبا. ومن المعروف ان روسيا زادت من منسوب التنسيق مع اليونان منذ ما قبل فوز اليسار الراديكالي في الانتخابات.

في موازاة ذلك زاد التنسيق الروسي مع اسرائيل ايضا. هذه التطورات أثمرت ما عُرف بالترويكا اليونانية –الاسرائيلية – القبرصية. وكان محور التفاهم الاساسي يدور حول استغلال النفط في حوض المتوسط.

وبالتالي، فان أي خروج لليونان وقبرص من الاتحاد الاوروبي سوف يساهم في اعطاء دفع للترويكا النفطية وسيكون لبنان طبعا خارج هذه المعادلة، وسوف تنهار تماما احتمالات نجاح الحكومة اللبنانية لوحدها في استخراج الغاز والنفط من المياه اللبنانية.

لكن النفط ليس الناحية الوحيدة التي سيتأثر بها الاقتصاد اللبناني، بل هناك ايضا الاستثمارات اللبنانية في قبرص ومن ضمنها المصارف اللبنانية التي تفتح فروعا لها في الجزيرة، انطلاقا من نظام الاوف شور، وارتكازاً على ان قبرص الاوروبية بوابة ملاصقة جغرافياً للبنان، ويمكن الولوج منها الى الاتحاد الاوروبي.

هذا هو الامتياز الذي جذب الاستثمارات اللبنانية الى الجزيرة. ولا تقتصر الاستثمارات اللبنانية على المصارف، بل هناك استثمارات اخرى تعتمد كلها على امتيازات قبرص كدولة اوروبية. ومن دون هذا الامتياز، قد تسقط الجدوى الاقتصادية، وتتحول هذه الامتيازات الى مشاريع غير مجدية.

في الفترة الأخيرة، ظهرت طفرة عقارية في قبرص، دفعت المستثمرين اللبنانيين الى الافادة منها. ويبدو ان عدد اللبنانيين الذين توجهوا الى قطاع العقارات في قبرص لا يُستهان به. وهؤلاء ايضا قد تتأثر استثماراتهم في حال خروج الجزيرة من الاتحاد الاوروبي.

هذه المعطيات تسمح بالاعتقاد ان ما يجري اليوم على مستوى المفاوضات اليونانية-الاوروبية في ما خصّ الديون، واحتمالات الخروج من الاتحاد الاوروبي ينبغي أن تعني اللبنانيين، ولو أن لا دور لهم في المعادلة، باستثناء انتظار النتائج، لكي يُبنى على الشيء مقتضاه.

على أمل أن تكون النتائج ايجابية، وأن تبقى قبرص في موقعها الاوروبي، لأن الاقتصاد اللبناني في غنى عن المزيد من الضغوطات، الآن، وفي المستقبل القريب.