عندما بدأت العملية العسكرية الروسية في سوريا في 30 أيلول، كان هدفها منع النظام من السقوط عسكرياً أمام هجوم الجماعات المسلحة التي تموّلها دول الخليج وتركيا، من غير ان يقول أي مسؤول روسي إن الهدف هو استعادة كامل الاراضي التي خرجت عن سيطرة الدولة السورية خلال الاعوام الخمسة من الحرب.
إذن وظيفة التدخل العسكري الروسي كانت محصورة في منع النظام من السقوط. قد يقال إن منع النظام من السقوط لا يكفي وحده للقضاء على “داعش” و”جبهة النصرة” والتنظيمات الارهابية الرديفة. هذا صحيح. وهنا تأتي مسؤولية أميركا أيضاً وهي التي رفضت ان تدخل شريكاً مع موسكو في محاربة الارهاب وبقيت محتفظة بائتلاف خاص بها في سوريا والعراق، مراهنة على ان من سيحارب الارهاب يجب ان يكون من الدول السنية في المقام الأول وان أي تحالف دولي مهما كبر ومهما بلغت قوته لن يكون قادراً على القضاء على “داعش”. لذلك تبذل واشنطن أقصى جهد لابعاد الحشد الشعبي في العراق عن معركة تحرير الموصل.
وبإنسحاب بوتين العسكري المفاجئ من سوريا، يلقي الكرملين تبعة محاربة الارهاب مجددا في وجه أميركا والدول الحليفة لها في المنطقة. أما الحديث عن ان الانسحاب الروسي يعرض النظام السوري للضغط لتقديم تنازلات في جنيف، فليس بعيداً من الواقع، ما دامت هذه التنازلات لا تعرض النظام للسقوط تماما كما كانت غاية التدخل العسكري.
بخفض القوات الروسية في سوريا يسترضي بوتين كثيراً من الخصوم وفي مقدمهم أميركا ودول الخليج ولا يخسر أيضاً تحالفه مع دمشق وطهران. واذا ما كان في امكان جنيف ان تحقق الغاية التي كانت ستتحقق في الميدان، فإن ذلك يستحق المحاولة، خصوصاً ان استمرار الحرب لن يحقق إلا مزيداً من الخسائر ويقذف بسوريا كاملة في المجهول الذي لن يكون أقله التقسيم والشرذمة ولن يقف عند حدود اعلان الأكراد النظام الاتحادي من جانب واحد.
الان يحاول بوتين الذي يمسك بالكثير من مفاتيح الحل السوري، ان يبعث برسائل تطمين الى الخصوم قبل الحلفاء، الى ان موسكو مستعدة للمضي في السياسة بسوريا الى أقصى الحدود، فهل ثمة شريك في المقابل، أم ان رهانات الآخرين لا تزال على وهم الحسم العسكري؟
أما محاربة الارهاب، فهي مسؤولية العالم بكامله وليس روسيا وحدها، فكيف سيكون الجواب الاميركي عن الرسالة الروسية. هذا يتوقف على ما سيقوله جون كيري أمام بوتين الأسبوع المقبل.