Site icon IMLebanon

عندما تلامس الغارات الروسية حدود لبنان

إذا كان دور الأميركيين عدم القضاء على «داعش» بل إبقاؤها عند حدودها، فإنّ دور روسيا هو أيضاً عدم القضاء على «داعش»، بل إبقاؤها عند حدودها. إذاً، لا أفق للنظريات القائلة بالقضاء على هذا التنظيم حتى إشعارٍ آخر. إنه مجرَّد شمّاعة. وأما أهداف القوى الإقليمية والدولية في سوريا وجيرانها فشأن آخر.

لم تظهر علناً بنودُ اتفاق بين نتنياهو وبوتين، لكنّ خبراء عسكريين يقولون إنّ الروس تعهدوا للإسرائيليين بأن يلتزموا مناطق العمليات في الشمال والوسط، بما يكفي لدعم الأسد بحيث لا يتهدّد مصيره.

ونقل بوتين حرصه الشديد على المصالح الإسرائيلية والتزام قواته الجوية احترام رغبات إسرائيل «المشروعة» في التحرك ضمن المجال الجوي السوري، وعدم تسريب أسلحة روسية إلى «حزب الله». وفي المقابل، على إسرائيل أن تتعايش مع الدور الروسي في سوريا.

وسيتمّ التنسيق المعلوماتي بين المقاتلات الروسية والإسرائيلية، فلا يقع اصطدامٌ غيرُ مقصود بينها. وتتعهد روسيا بعدم السعي إلى امتلاك معلومات استخبارية تتعلق بأمن إسرائيل، ولا تضع أيّ معلومات تتوافر لها في خدمة طرف آخر.

وجرت مناقشة سيطرة جماعات معارضة في جنوب سوريا. وسأل الروس عن السبيل إلى حماية العاصمة دمشق من هجوم تتعرّض له من الجهة الجنوبية. ووفقاً للخبراء، سيكون للطيران الروسي أن يتدخّل في دمشق إذا تعرّضت لهجوم يهدِّد مصير النظام. ويمكن للروس أن ينقلوا مطالبهم إلى إسرائيل عبر قناة اتصال عسكرية. والعكس صحيح.

ولتقديم برهان على استمرارها في السيطرة على الجنوب، سدَّد سلاح الجوّ الإسرائيلي أخيراً ضربات لمواقع تابعة للأسد داخل الجزء غير المحتل من الجولان، ردّاً على قصف طاول الجزء المحتل.

ويدرك الروس أنّ الصفقة الحقيقية التي يجب عليهم عقدها في سوريا ليست مع قوات التحالف، بل مع إسرائيل أولاً، وتركيا ثانياً. وسيتَّسع نطاق العمليات الجوية الروسية في سوريا خلال المرحلة المقبلة. وأولى الخطوات خروج الروس من «البيت العلوي» في اللاذقية إلى الجوار القريب: ريف حمص وحماه.

ويعتقد الخبراء أنّ عمليات بوتين ستمتدّ جنوباً حتى دمشق، وغرباً حتى الحدود مع لبنان. ومن هنا، يصبح ممكناً أن تشمل العمليات الجوية المناطق المتداخلة التي يستهدفها اليوم الطيران السوري.

فالمطلوب، بعد تأمين المنطقة الساحلية، ضمان دمشق والخط الذي يربطها بالساحل. وهذا ما ستتولّاه المقاتلات الروسية. ومنعاً لأيّ التباس في مشروعية الضربات الروسية، يعتقد الخبراء أنّ الروس قد يتولَّون هذه المهمات بتغطية من سلاح الجو السوري، أيْ من خلال مشاركة طواقم عسكرية سورية في المهمات. ففي هذه الحال، يصبح صعباً التمييز بين الغارات التي ينفّذها الروس منفردين بمقاتلاتهم، وتلك التي ينفّذها سلاح الجو السوري بالمقاتلات الروسية إياها، وبقيادة روسية.

وهذه المعادلة شبيهة بتلك التي حكمت التدخل الإيراني في سوريا حتى اليوم، حيث الحرس الثوري يقود الجبهات، وحيث المهمات تنفَّذ بالشراكة بين إيران والجيش السوري و»حزب الله» والمجموعات العراقية الحليفة. وعندما يشنّ الطيران السوري غاراته في المناطق المتداخلة بين لبنان وسوريا، لا يستطيع أحد التأكيد إذا كان المنفِّذون هم القوات الجوّية السورية أو الخبراء الإيرانيون وسواهم.

واستتباعاً، هل ستكون المهمات المقبلة، في منطقة الحدود السورية-اللبنانية من تنفيذ سلاح الجو السوري أم الروسي، أم ستكون هناك شراكة بين الطرفين؟

لا يمكن لروسيا أن تقع في منزلق خطر من نوع القيام بعمليات عسكرية ضدّ «داعش» أو «النصرة» في جرود عرسال أو الجانب اللبناني من القلمون، ما دامت تفتقد إلى التغطية كما هي الحال في سوريا حيث تلقت طلباً رسمياً للتدخّل. فهي قوة دولية تدرك حدودها ولا تغامر بارتكاب أخطاء قاتلة، في ظرف شديد الدقّة. وفي أيّ حال، هي لن تقوم بتنفيذ ضربات مباشرة في لبنان، لأنّ دمشق باتت أكثر أماناً بعد هدنة الزبداني.

والأرجح أنّ الطيران الروسي سيكثف ضرباته على الخط الممتدّ من اللاذقية إلى دمشق، وسيلامس الحدود السورية- اللبنانية، لكنه سيحاذر التورط في لبنان.

ومع أنّ مقتضيات السيادة اللبنانية تفرض ألّا يتمّ خرقها، لا بالطيران السوري ولا الطيران الروسي، فالمثير أنّ لبنان اعتاد أن يمزِّق جيرانه الإسرائيليون والسوريون غشاءَ بكارته السيادية، حتى إنه لم يعد يشعر بأيّ خرق!