إن المادة 64 من الدستور واضحة في بيان مرجعية تشكيل الحكومة: رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة والمسؤول عن السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء. فإذا كان رئيس الجمهورية مؤتمن على الدستور، فإن رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول عن أعمال مجلس الوزراء، وهذه المسؤولية يلازمها ممارسة الصلاحية والقيادة بحيث إذا فقد رئيس الحكومة القدرة على إدارة مؤسسة مجلس الوزراء فكيف سيكون مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يقرّها هذا المجلس؟
ومن منطلق المسؤولية المذكورة، أناطت الفقرة الثانية من هذه المادة برئيس الحكومة صلاحية تشكيل الحكومة، إلا أن الدستور لم يجعله حراً في اختيار فريقه الوزاري، بل إن مسألة تأليف الحكومة هي عملية مشتركة تتم بالاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، استناداً إلى الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور، والتي نصت على الآتي: «يُصدر (أي رئيس الجمهورية) بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة…»، والفقرة الثانية من المادة 64 تنص على أن رئيس مجلس الوزراء «يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها».
ولهذا فإن الشروع بتشكيل الحكومة هو مهمة رئيس الحكومة الذي يجري استشارات مشابهة لتلك التي يجريها رئيس الجمهورية مع النواب لتسمية رئيس الحكومة، وتعدّ هذه المهمة من أكثر المهمات صعوبة حيث يتوجّب عليه الوقوف على مطالب كافة الكتل والتوفيق بينها ثمّ عرضها على رئيس الجمهورية لقبولها، وهي مهمة جعلت الكثير من الفقهاء يتحدثون عن أزمة تشكيل الحكومة في لبنان، ومنهم الأستاذ أحمد زين الذي كتب أن الرئيس المكلف «ملزم بالتفاوض مع أطراف سياسيّة متعدّدة غير واضحة وغير مستقرّة في مواقفها السياسيّة. وإنّ التقاء الكتل النيابيّة على شخص الرّئيس المكلف، وإن عبّر عن ثقة هذه الكتل بشخصه وشكّل تفويضاً له بالسعي لتشكيل الحكومة، إلا أنّ مصالحها المتضاربة، في عملية التشكيل، تجعل هذه العمليّة مرتهنة بإمكان التوفيق بين تلك المصالح، وهي مهمّة يستحيل تحقيقها من دون تعاونها، مهما سمت قدراته الشخصيّة».
لهذا، كان المعيار المسهّل لتكوين الحكومة هو معيار المصلحة الوطنية الذي يقتضي بالأطراف المشاركة بعملية التأليف أن يسعوا جاهدين إلى إعلاء مصلحة الوطن على أي اعتبارٍ آخر مهما كان وجيهاً. وبالتالي، فإن تسهيل مهمة الرئيس المكلف هو واجب دستوري. كما أن احترام هذا الواجب يؤدي إلى اختصار المهل، بحيث لا يعود هاجس الأطراف احتساب الزمن المعقول للتأليف، خصوصاً أن وثيقة الوفاق الوطني لم تشأ تقييد إلزام المكلف بمهلةٍ محددة، حيث يقول النائب ألبير منصور إن التوجه في الطائف كان نحو تقييد صلاحية رئيس الحكومة في تشكيل الحكومة ضمن مهلة زمنية محددة، أسوةً بالمهلة المقررة لإعداد البيان الوزاري، لكن بناءً على اعتراض وإصرار الرئيس صائب سلام، لا تقييد لرئيس الحكومة بمهلة للتأليف، لأنه إذا كان رئيس الحكومة على خلاف مع رئيس الجمهورية وكانت هناك مهلة محددة للتأليف، فإن رئيس الجمهورية يماطل ويرفض التشكيلات التي يقدِّمها رئيس الحكومة حتى تنقضي المهلة، فيلغي رئيس الجمهورية أمر تكليفه». لهذا السبب لم تقيِّد المادة 64 الرئيس المكلف تشكيل الحكومة بأي مهلة للانتهاء من مشاورات تأليف الحكومة، ولم تعطِ رئيس الجمهورية صلاحية سحب التكليف الصادر بناءً على إرادة النواب، وكانت هذه المهلة تطول لعدة أشهر حتى أطلق الأستاذ أحمد زين في إحدى مقالاته عبارة «ديكتاتورية الرئيس المكلف»، الذي لا يمكن نزع التكليف منه إلا إذا شاء الاعتذار عن هذا الواجب.
* أستاذ جامعي